قالوا عن الشيخ ماءالعينين: كلام الشيخ محمد العاقب الجكني بن مايابا عن طريقة الشيخ ماءالعينين في السلوك

منهج الشيخ ماءالعينين في تربية المريدين: تصنيف سلوكي تربوي دقيق

يُعدّ المنهج التربوي والسلوكي عند الشيخ ماءالعينين من أبرز الملامح التي ميّزت تجربته الصوفية والعلمية، إذ لم يكن يقتصر في تربيته لمريديه على أسلوب واحد أو نمط محدد، بل كان ينظر في أحوالهم، ويختار لكلٍ منهم المسلك الأنسب لما وُهِب من استعداد وقابلية. فقد زاوج الشيخ بين طريقتَي الشكر والرياضة، وفق رؤية تربوية متكاملة تُراعي الفروق الفردية، وتهدف إلى تهذيب النفس، وترقية السالكين بحسب مراتبهم.
وقد تناول هذا المنهج بتفصيل بليغ العلّامةُ محمد العاقب بن مايابى الجكني، أحد كبار تلامذته، في كتابه مجمع البحرين في مناقب شيخنا الشيخ ماءالعينين، حيث أورد تصنيفًا دقيقًا للمريدين، يبرز عمق هذا التوجّه التربوي، ومرونته، وواقعيته.

صفحة من كتاب مجمع البحرين في مناقب شيخنا الشيخ ماءالعينين بخط يحجبو بن خطري، المخطوط من مكتبة ذ.طالبويا بن محمد أحمد زايد

جعل الشيخ ماءالعينين مريديه على ثلاثة أصناف، بحسب طريقة التربية:
فمنهم من سلك معهم مقام الشكر، ومنهم من سلك بهم مقام الرياضة، وصنف لا همة له في الشكر ولا في المجاهدة، يتركه الشيخ على ديدنه وسبيل شهوته، حتى يُربِّيه على الأخذ بالهِمّة، والندم على ما فات، والسلوك بجهدٍ مضاعف في أحد الطريقين.

هذا التصنيف الفريد، والمنهج التربوي السلوكي، تحدّث عنه الشيخ محمد العاقب بن مايابى الجكني في كتابه مجمع البحرين في مناقب الشيخ ماءالعينين، حيث يقول بالحرف:

وظهر لنا من حاله – وإن كنا بمعزلٍ عن الفراسة الصادقة والكياسة الثاقبة – أنه جامع بين طريقتَي الشكر والرياضة، لكن الأغلب والأولى عنده طريقة الشكر.
وقد ينظر في أحوال المريدين؛ فمن كان منهم ذا أهلية للرياضة، وقد جعل همته إليها، أقامه فيها. ومن كان ذا أهلية للتعلّق بالله تعالى، والالتجاء إليه في سائر الأحوال، وطلب القرب منه، والإخلاص في عبوديته، وقد صرف همته إلى ذلك، جعله فيه وأقامه، وهو أحب إليه وألذ عنده.
ومن كان ذا قدرة على الجمع بينهما، بأن يعلّق قلبه بالله تعالى في حركاته وسكناته، ويقيم على الرياضات والمجاهدات من صومٍ، وجوع، وصمت، وسهر، وعزلة، وغير ذلك، فهذا هو الغاية القصوى عنده.
ومن كان لا قدرة له على السلوك في إحدى الطريقتين، ولا همة توصله إلى أحد المطلبين، وإنما همّه همُّ البطن والفرج، وغيرهما من حوائجه الجسمانية وشهواته النفسانيّة، تركه على حاله، وشرع في تربيته على الهمة، حتى تحصل له همة، ويندم على ما كان من الغفلة، وسوء الطوية، وضعف الهمة إلى الله تعالى، فينعكس أمره من الشر إلى الخير، وتَجذبه عناية الله تعالى ولطفه…“¹

ويظهر من هذا النص أن الشيخ ماءالعينين لم يكن يعتمد أسلوبًا واحدًا في تربية مريديه، بل كان ينطلق من قاعدة مركزية هي “الهمة”، التي تُعدّ المحرّك الداخلي للسالك، وبحسب درجتها يختار له الطريق الأنسب. كما أن ترك الشيخ للمريد الذي لا همة له، لا يعني الإهمال، بل هو تربية خفية تقوم على الملاحظة والصبر، حتى تتهيأ له همة صادقة تدفعه إلى السير من جديد.

إن هذا المنهج يعكس مدى فقه الشيخ بالنفوس، وعمق تجربته في التربية السلوكية، وتوازنه بين الشدّة واللين، وبين المجاهدة والرحمة، وهو ما جعل طريقه مقصودًا من أصناف مختلفة من الناس، يجد كل منهم فيه ما يناسب مقامه واستعداده.


الهوامش:
1 – كتاب مخطوط: مجمع البحرين في مناقب شيخنا الشيخ ماءالعينين، تأليف العلامة محمد العاقب بن مايابى الجكني، النسخة بخط القاضي يحجبو بن خطري، محفوظ بمكتبة الأستاذ أبوبكر بن محمد تقي الله.