
صدر حديثا للدكتور الخليل الواعر ثلاث مؤلفات تتحدث عن الشيخ ماءالعينين، الصحبة العلمية،ومرتكز الجمع والتقريب بين الأدلة ورفع الخلاف:
- الكتاب الأول بعنوان “الشيخ ماءالعينين: حياته وجهوده العلمية والتربوية“، يقف فيه الكاتب على ملامح الشيخ كقدوة في تنظيم الحياة اليومية بين العبادة والعلم والعمل، ومثاله في التواضع والصبر.
- أما كتاب “قضايا الإصلاح التربوي السلوكي عند الشيخ ماءالعينين“، فيغوص في نظرته العميقة لتربية النفس، والتدرج في السلوك، واللين في المعاملة، مستلهمًا في ذلك هدي النبي ﷺ.
- في حين يركّز كتاب “من مرتكزات الإصلاح عند الشيخ ماءالعينين” على مفاهيم مركزية في مشروعه، كالأخوة الدينية، والصحبة الصالحة، وحرية الأخذ بالأذكار، مقرًّا بتنوع الطاقات والفروق الفردية في السلوك والذكر.
- نبذة عن كتاب الشيخ ماءالعينين حياته و جهودها العلمية و التربوية:
زاوج الشيخ ماء العينين في زاويته العلمية بين الاهتمام بالشؤون العامة والخاصة لمنتسبيه، وما هو تربوي وتعليمي لمريديه، فعكس بهذا التنظيم المنهجي برنامجا علميا حاول من خلاله أن يجمع بين الدين والدنيا، فكان -رحمه الله- قدوة في المحافظة على الصلوات الخمس والاجتهاد في طلب العلم وملازمة الأذكار، والتفاني في العمل وإتقانه و تنظيم الأوقات، وتوزيع المهام بين ما هو علمي كاكتساب العلوم والمعارف، وما هو ديني كإقامة الصلوات في وقتها، ومختلف الشعائر وما هو اجتماعي مثل كسب قوت يومه والسعي في قضاء حوائج عياله ومريديه، فزرع في نفوس العامة والخاصة حب الأخذ عنه والتأسي به فيما هو علمي وعملي، فلم يكن منعزلا زاهدا في دنياه، ولم يكن مقبلا عليها بالكلية حتى تنسيه آخرته، فكان وسطا بين هذا وذاك آخذا مسلك الوسطية والاعتدال في إقباله على ثنائية الدنيا والآخرة.كان الشيخ ماء العينين شخصية متواضعة مهابة وقورة محبوبة عند عامة الناس وخاصهم يأتيه الشخص الأقرع أو المتدلية منه النخامة ويقبل يده وتبقى فيها النخامة فيبادله الشيخ التحية دون تأفف أو تضجر، وإن رأى من يريد رد ذلك الشخص منعه من ذلك ورحب بالوافد عليه وقضى حاجته، ويقول: إنما نحن من تراب و[إليه] نعود، ولا يتقذر من تلك النخامة ولا من تلك الهيئة. كما أن الشيخ كان يجلس في مواضع خشنة وسخة بلباس حسن دون ترفع أو تعال.كان للشيخ ماء العينين ولد قد راهق الحلم، وكان جميل الصورة…وكان من أمره أنه ركب حصانا شموسا وجمح به فصرعه فاندقت عنقه فمات في الحين، فبادر إليه بعض المريدين، فغسلوه وكفنوه، لكنهم ترددوا في إعلام الشيخ لوقع الفاجعة، فقال (محمد بن آبوا): أنا أخبره، فذهب إليه وأخبره، ولم يذكر له اسم الميت، ولم يخبره بتفاصيل الحادث، إنما قال له: إن الناس ينتظرونكم للصلاة على جنازة، فخرج الشيخ ماء العينين للصلاة وهو لا يعلم أن الميت فلذة كبده، فلما حضر وجد الصفوف قد سويت، ورأى الجنازة قد وضعت أمام الصفوف، سأل من خلفه من الناس مستفهما: أذكر أم أنثى؟ فقيل له ذكر فقال: ما اسمه؟ فقيل له: فلان، فقال: ابن هذه الخيمة؟ فقيل له: نعم، فقال: لهذا خلق، الله أكبر. فلما أنهى الصلاة عليه أمرهم بدفنه، وقال: الله يرحمه، فتعجب الحاضرون من صبره عند الصدمة الأولى.
- نبذة عن كتاب: قضايا الاصلاح التربوي السلوكي عند الشيخ ماءالعينين:
لم يكن الشيخ ماء العينين منعزلا عن واقع الناس مسرفا في إطلاق الحقائق التربوية السلوكية، أو في منأى عن قضايا الناس وانشغالاتهم الدينية والعلمية، بل كان منخرطا في قضايا عصره بوعي وبصيرة متميزين، ديدنه طيلة حياته، الدعوة إلى التحلي بمحاسن الأخلاق، والاستمساك بحبل الأخوة بمختلف مظاهرها الوحدوية والتوحيدية.
يرى الشيخ ماء العينين أن السالك طريق التربية يمر بمرحلتين: مرحلة الخروج عن المألوف، ومرحلة العودة. ويطلق على هاتين المرحلتين بمراحل السائرين ويعد مرحلة الخروج عن المألوف أول قدم يضعها المريد في السلوك، ولا يتم ذلك في رأيه إلا بخروجه عن أبناء جنسه وهجره مألوفات نفسه بالتوبة النصوح، أما المرحلة الثانية فهي الرجوع عن المعاصي إلى الطاعات، ثم منها إلى توبة الرجوع من الغفلة إلى استصحاب الذكر، ثم منها إلى توبة الرجوع من الأوهام إلى الحقائق. فالرحلة الأولى من مقام الإسلام، والثانية من مقام الإيمان، والثالثة من مقام الإحسان(…)مقتديا في جميع ذلك بقدوته ونبيه صلى الله عليه وسلم، فكان أول قدم في السلوك النبوي التحنث باعتزال الخلق ناحية، تعبدا لله وتفرغا إليه بغار حراء.
يرى الشيخ ماء العنين أنه يتعين أن تراعي التربية أحوال السالك، ولا يجب أن يدفع فيها دفعا دون اعتبار لمبدأ التدرج والرفق واللين؛ حتى لا تصاب النفس بالعجز والنفور لما أنسته النفس من المألوف سابقا. فجب أن يعامل أهل البداية بالتيسير والتقريب والتدريج؛ إذ النفس إذا أريد إخراجها من مألوفاتها وما تلوثت به من الغفلات دفعة، أخلدت إلى العجز، وكفت عن الانتهاض. بل يؤخذ السالك بالين والعفو(…)فكيف يتوقع من يعامل الناس على خشونة اللفظ مع قسوة القلب أن ينقاد الناس كلهم له، ويتابعوه ويطاوعوه؟ فاللين في القول أنفذ في القلوب، وأسرع إلى الإجابة، وأدعى إلى الطاعة والانتفاع.
3.نبذة عن الكتاب من مرتكز الأخوة الدينية عند الشيخ ماء العينين:
إن مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار كان محل اهتمام الشيخ ماء العينين ومنطلقا أساسيا لعنايته بمسألة الأخوة في الدين تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فعدها منطلقا عمليا لكل عملية تروم الإصلاح الاجتماعي، وفي ذلك يقول الشيخ ماء العينين: ” اعلم أن المؤاخاة أمر مسنون من لدن النبي عليه السلام، فإنه آخى بين المهاجرين والأنصار”.
من مرتكز الجمع بين الأدلة عند الشيخ ماء العينين:
لم يرو أحد عنه صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا أن قال لأحد خذ عن فلان، ولا تأخذ عن غيره(…)فبان من هذا أنه لا تحجير شرعي على أحد في أن يأخذ أي ذكر شاء من أي شخص شاء، ولا أن يعطي أحد ذكرا عنده لأحد يستحقه من المسلمين.
إن الشريعة المطهرة جاءت من حيث شهود الأمر والنهي في كل مسألة ذات خلاف على مرتبتين: تخفيف وتشديد، ولكل من المرتبتين رجال، فمن قوي منهم من حيث إيمانه وجسمه خوطب بالعزيمة والتشديد، ومن ضعف منهم من حيث مرتبة إيمانه وضعف جسمه خوطب بالرخصة والتخفيف(…)وهكذا الأوراد منها ما هو كثير ومنها ما هو قليل، ومنها ما هو متوسط بين الكثرة والقلة، إلا أنه ربما كان كثيرا في حق شخص، قليلا في حق آخر، ومنها ما هو في وقت واحد، ومنها ما هو في وقتين، ومنها ما هو في الأوقات كلها.
من مرتكز الصحبة العلمية عند الشيخ ماء العينين:
إن أول ما يجب على المرء بعد انتباهه من الغفلة، أن يعمد إلى شيخ ناصح مرشد عالم بعيوب النفس، وأغراضها، ودواعيها وأدوية أمراضها، فارغ من تهذيب نفسه وأغراضها، ويبصره بعيوب نفسه، ويخرجه من دائرة حسه؛ لأن من لم يكن له شيخ يقوده إلى طريق الهدى، قاده الشيطان لا محالة إلى طريق الردى.