رحلة العالم العلامة الشيخ مربيه ربه ابن الشيخ ماء العينين  إلى الحج سنة 1937

في سنة 1356هـ/1937م ترأس العالم والمجاهد والأديب والمصلح والولي الرباني والعارف بالله القطب الصمداني الشيخ مربيه ربه ابن شيخنا الشيخ ماء العينين وفد الحج الصحراوي للمرة الأولى. وفي طريقه توقف بمدينة تطوان و قام فيها بنشاط علمي وسياسي وديني وأدبي، قبل توجهه إلى الحج وبعد عودته منه. 

 فقد إلتقى بالخليفة السلطاني مولاي الحسن بن المهدي الذي استقبله استقبالا كبيرا وأكرمه إكراما جليلا وأولاه عناية خاصة هو وجميع وفده نظرا للعلاقة المتينة السياسية والدينية والعلمية  التي تجمعه به والتي تؤكدها الرسائل الكثيرة المتبادلة بينهما.وكان يستشيره في كثير من الأمور ويعمل برأيه فيها وكان من كبار مساعديه في الصحراء. كما التقى بعدد كبير من العلماء والشعراء والأدباء والزعماء والأعيان والقضاة والوطنيين والمصلحين الذي جاؤوا للسلام عليه والترحيب بمقدمه نظرا لمكانته الدينية والعلمية والاجتماعية. نذكر منهم:

– قائد المشور سمي شيخنا الشيخ ماء العينين ومريده، السيد محمد المصطفى ماء العينين بن القائد السيد إدريس بن يعيش.وفيه “من المحبة والقربى والتقرب والإكرام ما لا مزيد عليه وعنده من ضنائن أسرار شيخنا – الشيخ ماء العينين- ما لا يوجد إلا عنده… وهو إبن خالص ومريد صادق”.(1)

– الباشا السيد محمد فاضل بن القائد السيد إدريس بن يعيش مريد شيخنا الشيخ ماء العينين.

– خليفة قائد المشور الولي بن القائد السيد إدريس بن يعيش مريد شيخنا الشيخ ماء العينين.

ووالد هؤلاء الإخوة الثلاثة هو القائد السيد إدريس بن يعيش وهو من كبار مريدي شيخنا الشيخ ماء العينين.تلمذ عليه وبايعه بيعة التربية وأخذ عنه وأجازه إجازة مطلقة عامة شاملة ” وكان عند أمره ونهيه منقادا إليه بكليته بل كان أكثر انقيادا وطاعة للشيخ من أي أحد.”(2) كما كان يطلعه على كل ” ما يجري من أمور البلاد مستشيرا له بشأنها “.[3]

– وزير الأحباس الفقيه العلامة والأديب الشاعر السيد محمد بن عبد القادر بن موسى مريد شيخنا  الشيخ ماء العينين.أخذ عنه في مدينة مراكش وأجازه إجازة شاملة عامة مطلقة في جميع الفنون العلمية وهذا مايؤكده ماء العينين بن العتيق قائلا:” وهو ممن أخذ الورد من شيخنا الشيخ ماء العينين، وله نظم رائق في سلسلة أشياخنا في الطريقة القادرية، يسردهم متصلين من شيخنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم”.[4] ثم أجازه بعد ذلك إبنه الشيخ محمد ابراهيم وسبطه ماء العينين بن العتيق.

– حاجب الخليفة السلطاني السيد عبد الواحد بريشة.الذي تربطه علاقات علمية واجتماعية كبيرة مع عدد من علماء وأعلام قبيلة آل الشيخ ماء العينين خاصة الشيخ مربيه ربه والشيخ محمد الإمام.وقد التقى به هذا الأخير في رحلته الأولى إلى مدينة تطوان فاستدعاه لمنزله وأكرم وفادته وأحسن إليه. وهذا ما يشير إليه محمد بن عبد الله الغلاوي في أرجوزته الطويلة التي نظم فيها رحلة الشيخ محمد الإمام إلى تطوان في هذه السنة قائلا:

وبعده دعـــــــاه ابن حــــــم       

               لــــــــداره وبعد ذاك أمــــوا

للسيد الحاجب عبد الواحــد       

               من بعد ما أرسل للأماجـــد

أن يقدموا عليه عن تــراض   

               منهم وجاء بعدهم بقـــاضي

بلدته ولم يدع خطيبــــــــــا  

               من أهله وشاعــــــرا أديبـــا

ولا شريفا والجميع معـــــه  

                فمكثوا يوما وليلة معــــــــه

بداره وتلك دار فخـــــــــــر   

               فريدة الحسن بذاك القطــــــر

وذا جميعا قصده التعظيــــم 

                   ولـــــهم به أكرمه الكــــــريم.[5]

– الصدر الأعظم السيد أحمد الغنمية.

– رئيس حزب الإصلاح الوطني السيد عبد الخالق الطريس.

– مدير معهد مولاي الحسن بن المهدي السيد محمد المكي الناصري.

– باشا تطوان السيد محمد أشعاش.

– شيخ الجماعة القاضي السيد أحمد الزواقي. 

– مدير الأملاك المخزنية السيد محمد بن ريسون.

– الفقيه القاضي محمد المرير.

– شيخ الطريقة القادرية السيد عبد الحي القادري،الذي تربطه علاقات علمية ودينية بعدد من علماء وأدباء قبيلة آل شيخنا الشيخ ماء العينين خاصة الشيخ مربيه ربه والشيخ محمد الإمام.وقد أجازه هذا الأخير في الطريقة القادرية التي أخذها عنه سنة 1354/1935.يقول في إجازته له:”وبعد…طلب مني فيما مضى عام 1354 هجرية الإجازة في طريق جده…وقد أجزناه في ذلك العهد”.[6] وهذا ما يؤكده محمد بن عبد الله الغلاوي في أرجوزته قائلا:

ثم أتوا أجلـــــة المصــــــــــادر   

              للندب عبد الحي وهو القـــــادري

بأمره ومعــــــه جمــاعــــــــــة     

             من أهل أرضه في تلك الساعــــة

فاجتمعوا في مجلس وجـــــــالوا   

                  مع شيخنا فيما اقتضاه الحــــــال

فجاء منهم وقبل التــــــــــــراب       

                  أمام شيخنا وذلك الصـــــــــواب

بأرضهم وطلب الإجـــــــــــازة       

                   من شيخنا في كل علم حــــــــازه[7]

وقد أشار الأستاذ جعفر السلمي في تقديمه للكاتب عبد الحي القادري في كتاب رسالة المجد التليد إلى أنه أثبت” صورة هذه الإجازة المعينية في الطريقة القادرية في كتابه “بستان الأكابر والأصاغر” اعتزازا بها “.[8]

ومما يبين قوة هذه العلاقة الدينية والعلمية المتينة التي جمعت بينهما تقريظ الشيخ محمد الإمام لكتابه ” التصوف وأعلامه ” الذي يقول فيه: 

للــه در الجهـــــبـــد العـــــــــــلام       

               محيي علوم السادة الأعـــــلام

الشيخ عبد الحي نجــــــل محمـــد     

                       القادري السيد الضرغـــــــام

أتحفتــــنا بمؤلف جمعـــــت بـــه        

                         أقوال كل محقق وإمــــــــــام

برهنت فيه على التصوف بالـذي     

                               ما فيه من لبس ولا ايهــــــام[9]

– السيد أحمد الطريس.

– الأستاذ إبراهيم الإلغي.

– الفقيه التهامي الوزاني.

– السيد عبد القادر الفكيكي مريد شيخنا  الشيخ ماء العينين.[10]

وقد قضى أياما في مدينة تطوان كانت حافلة بكثير من الأنشطة العلمية والدينية والأدبية.

وفي صبيحة يوم الجمعة 16 ذي القعدة 1356هـ الموافق 29 يناير 1937 توجه نحو مدينة سبتة قصد ركوب الباخرة التي ستنقله لأداء فريضة الحج ، ومعه وفده الذي جاء معه من مدينة طرفاية وفيه ابنه العالم الأديب السيد أبوبكر وابن أخيه السيد سداتي ابن الشيخ أحمد الهيبة ابن شيخنا الشيخ ماء العينين واثنان من كبار أعيان قبيلة إزرقيين هما: السيد كمال بن براهيم بن مبارك و السيد حم لمين بن محمد صالح .وقد زارهم في هذه السفينة لتوديعهم الخليفة السلطاني الأمير مولاي الحسن بن مولاي المهدي وألقى كلمة هنأ فيها جميع الحجاج بحجهم ودعا لهم بالحفظ والسلامة والعافية وأوصاهم أن لا ينسوه من صالح أدعيتهم.

وعلى الساعة الثامنة مساء من ليلة السبت انطلقت بهم الباخرة المسماة المغرب الأقصى من مدينة سبتة متوجهة إلى الديار الحجازية. وفيها عدد كبير من الحجاج على اختلاف طبقاتهم فمنهم العلماء والفقهاء والأدباء والقضاة ومنهم الزعماء والأعيان ورؤساء الطرق الصوفية والقواد والكبراء ومنهم العامة من الرجال والنساء.

ومن الفقهاء والعلماء والأعيان الكبار الذين ركبوا في الباخرة بقصد الحج وتذاكروا مع العلامة والمجاهد والأديب والشاعر والقطب الولي الكبير الشيخ مربيه ربه نذكر:

  • السيد الفقيه الوطني أحمد معنينو السلاوي
  • السيد الفقيه الأديب الشاعرمحمد بن اليمني الناصري
  • السيد الفقيه الشريف قاضي بني سعيد العربي الورياشي
  • السيد الفقيه سيدي محمد بن حمو الشكري قاضي قبيلة مزوجة القلعية
  • السيد الفقيه سيدي أحمد بوعلال التوزاني قاضي قبيلة ايت عبد الله الورياغلية
  • السيد الفقيه القاضي  عبد السلام العمور العلمي ازطوط
  • السيد الفقيه عبد الله التجكاني الغماري
  • السيد الفقيه علي بن أحمد العلمي
  • السيد الفقيه العالم أحمد السمار
  • السيد الفقيه الشاعر فرطاخ محمد بن أحمد 
  • السيد الفقيه السيد محمد بن محمد عمير
  • السيد الفقيه أحمد السمار
  • السيد الفقيه سيدي محمد أعميار
  • السيد محمد بن الحاج ادريس بناني
  • السيد أحمد بن محمد علال الودراسي 
  • السيد أحمد بن عبد السلام الدهري
  • السيد الحسن بن عبد المالك حجاج
  • السيد عبد الكريم المرابط الطنجي
  • السيد محمد بن محمد الغزاوي[11]

  وفي طريقهم مروا بمليلية في المغرب وطرابلس وبن غازي في ليبيا وبورسعيد والسويس في مصر ووصلوا جدة يوم الخميس 29 ذي القعدة عام 1355 الموافق11 فبراير سنة 1937. وبدأو في تأدية فريضة الحج ولما انتهوا منها غادروا جدة مجددا يوم الجمعة 29 ذي الحجة عام 1355 هـ/ موافق 12 مارس 1937.ووصلوا مدينة سبتة يوم الأحد 15 محرم عام 1356 موافق 28 مارس سنة 1937. ومنها توجه إلى مدينة تطوان التي قضى فيها أياما كانت حافلة كعادته بالأنشطة الدينية والعلمية والأدبية ثم رجع إلى محل إقامته بزاويته في طرفاية.

وقد هنأه بالحج عدد من الأدباء والشعراء منهم ماء العينين بن العتيق الذي قصده في مدينة طرفاية لهذه الغاية حيث يقول:” فلما كانت السنة القابلة سنة سبع وخمسين قدمت على الشيخ أعزه الله بمدينة طرفاية في جمادى الأولى للسلام عليه وتهنئته بالحج وزيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنشدته هذه القصيدة في مدحه وتهنئته “.[12] ومطلعها:

هو الشعـــــــر للأكفاء شهدتـه تحلـــــو       

                    إذا صاغه من كنز باعثــه الفحـــــل

 ثم  يتخلص من المقدمة إلى مدحه قائلا:

ولا بدع إن جـــــــادت ببكـــر قريحــــة   

                   تزف عروسا والجواد لها بعــــــــل

وأي جـــــــواد كَــالْمُــــرَبِّـــــيـــهِ رَبُّــهُ     

                 إذا ضاقت الأحلام واتسع المحــــــل

 

  • به تضرب الأمثال في كل مدحة    وما في ضروب المكرمات له مثل
  • إذا ما أخذنا في مديحك ساعدت  عذارى المعاني فيه والمقول الجزل

 

بعد ذلك يبدأ في تهنئته بالحج قائلا:

ليهنـــــك حــج البيت أديـت فرضـــــــه   

           و وقدما يؤدى عندك الفرض والنفــــل

قـدمت له تقضي المناســــــك ساعيــــا     

           على قدم هام الملوك لها نعــــــــــــل

بذلـــــت له للـــــه نفســـك مخلصــــــا   

      ودأبك في المعروف والطاعة البـــذل

فلـو سئـــــل العـام الحجيـج لآذنــــــت   

      بأن حج فيها البدر تعنيك والوبــــــــل

وأن طاف بالبيـت السكينة والـــــتقــى

          وصرف المزايا والإنابة والنبــــــــــل

حججت وأنت الحج تأوي لك الــورى

          وفودا كما يأوي إلى أمه الطفـــــــــل

وللـه يوم عند طيـــبــة ألقيـــــــــــــت 

        عصا سيرك المبرور واستنزل الرحل

وزرت رسـول الله والطرف مطــرق

          وعبرته من هيبة القـــرب تنهـــــــــل

ورحت قريــر العين منشرح الحجـــا

          أن التأم الفرع المشوق والأصـــــــــل

لئن زرتــه في عالم الحــــــس زورة  

        فمن زوره في عالم الغيب لاتخلــــــو

أدام لـه الرحمــان أحلــــى تحيـــــــة

          ودام بمحيـاك الزمــان لنــــا يحلــــــو[13]

ولما فرغ من إنشادها ارتاح لها الشيخ مربيه ربه ” أعزه الله أي ارتياح.وقال: والله إنها لأشهى من تعاطي الراح ودعا بكثير من الدعاء نرجوه تعالى إجابته. وأظهر من التأسف على عدم حجي معه في العام الماضي أكثر مما وقع لي ثم قال لي: لكن أبشرك سنحج هذا العام إن شاء الله معا لأن الدولة الإسبانيولية عهدت إلي أني أحج ثانيا في الباخرة التي حججت فيها العام الماضي وأن تحج معي رفقة أكثر من رفقائي الماضين وقالوا لي: سم من شئت منهم لنا كتابة وأول من كتبت إسمك وإذا وصل وقت السفر سأعلمك إن شاء الله أينما كنت.فتضاعف سروري بذلك وحمدت الله عليه ودعوت للشيخ أعزه الله على هذه التكرمة وعلمت أن الأمر إن يكن من عند الله يمضه وأن الفضل بيد الله يوتيه من يشاء والله ذو الفضل الكريم.نرجوه تعالى أن يقابلنا بمحض فضله وجوده وكرمه ويجازي عنا سيدنا الشيخ مربيه ربه أحسن الجزاء”.[14]

 


المصادر:

1-الرحلة الحجية 1350، الشيخ محمد إبراهيم ابن الشيخ ماء العينين،إعداد: ماء العينن مربيه ربه،الطبعة الأولى 2015،مطبعة المعارف الجديدة،الرباط،ص 26.

2-الشيخ ماء العينين ،علماء وأمراء في مواجهة الاستعمار الأوروبي، الطالب اخيار ابن الشيخ مامينا،الجزء الأول،الطبعة الأولى،2005،مطبعة بني زناسن، ص239.

3- المصدر نفسه ص 239.

4-الرحلة المعينية 1938،ماء العينين بن العتيق،حققها وقدم لها: د محمد الظريف،الطبعة الأولى 2004،منشورات دار السويدي للنشر والتوزيع والمؤسسة العربية للدراسات والنشر، ص 52.

5-المرجع نفسه.

6-رسالة جلال المجد التليد في القران الخليفي السعيد،عبد الحي القادري،دراسة وتقديم د- جعفر ابن الحاج السلمي،الطبعة الأولى 2014،مطبعة الخليج العربي،تطوان، ص 16.

7-انظر هذه الأرجوزة مخطوطة في مكتبة الأديب الأستاذ محمد تقي الله وياه ابن الشيخ أحمد الهيبة إبن الشيخ ماء العينين بمدينة طرفاية.

8-المرجع نفسه،ص 17.

9-ديوان الشيخ محمد الإمام، جمع وتحقيق ودراسة ماء العينين العالية،مطبعة بني إزناسن، سلا ، الطبعة الأولى 2004،ص،247.

10-من تقييد خاص للأستاذ ماء العينين علي علين ابن الشيخ مربيه ربه،مكتبته،تيزنيت.

11-من تقييد خاص للأستاذ ماء العينين علي علين ابن الشيخ مربيه ربه،مكتبته،تيزنيت

12-الرحلة المعينية 1938، ص 52.

13-المرجع نفسه، ص 53.

14-المرجع نفسه، ص 52.