
توطئة:
تمر في حياة الإنسان ذكريات عظيمة لايمكن نسيانها وتحمل الذاكرة الجماعية للشعب المغربي ذكريات عظام ومواقف شجاعة سطرها أهلها في التاريخ لتستحق التخليد والمباركة. بل وأكثر من ذلك لأخذ العبرة.
أهل اللحظة يأخذون من التاريخ عبرا ويتحدثوا في مجالسهم عن معاني الغيرية. وأمام أجيال المستقبل يطلب منهم ادراك قيمة تاريخ البلد وعظمة رجاله الذين بفضل مسيرة من الوعي الوطني تمكنوا من الصمود أمام أعتى الحملات الاستعمارية.
من رجالات مغرب الشمس كما يسميه سيدي الشيخ ماءالعينين الذي حمل في قلبه وفكره الدفاع عن هوية البلد.
أولا : لحظة العلم:
ولد الشيخ مربيه رب واسمه الحقيقي سيدي المصطفى بن الشيخ ماءالعينين يوم 14 فبراير 1881م بمنطقة تيرس.
درس القرآن الكريم والنحو والفقه وأصوله وعلم الحديث وعلوم وقته على يد فقهاء الجماعة المعينية. وملازمته لوالده العلامة الشيخ ماءالعينين أغنى فكر مربيه ربه وتحصل له العلوم والمعارف.
بعد وفاة والده مؤسس الحركة المعينية أصبح مساعدا مقربا لأخيه المجاهد والقائد الشيخ أحمد الهيبة شيخ المقاومة الجنوبية. وقد ساعده في الأمور السياسية والاجتماعية وكيفية تدبير أمر المجتمع بعد مرحلة الوالد المؤسس.
وبعد وفاة المقاوم الشيخ أحمد الهيبة اتفق أهل الشورى حسب المعطيات التاريخية على تعيينه زعيما وقائدا لمرحلة ما بعد وفاة سيدي أحمد الهيبة. يقول المختار السوسي صاحب كتاب المعسول :” جاء هذا الحازم العازم الذي يحب أن لا يضع الأمور الا في مستحقاتها“. وزاد بقوله : ” لا أحد منهم ينارع مربيه رب فإن له من الحزم والعزم والاقدام…”.
وصف بالرجولة والحنكة والاقدام حسب تراجم تلك اللحظة. وصاحب العلماء وأهل الصلاح والمجاهدين وكان زعيما وشجاعا.
حفل تاريخه باهتمامه بالأدب وقد جالس أهل العلم والأدب حتى نقل كتاب التاريخ عن حرصه على منح العطيات للشعراء والعلماء لتشجيعهم وحملهم على الاهتمام باللغة والدين.
ألف الكثير من التآليف في شتى فنون المعرفة. علما بأن غزارة الكتابة والابداع تدل على موسوعية الشيخ، وهو الذي تمكن من امتلاك عقل جامع للعلوم الشرعية والأدب والجهاد. ومن أهم مؤلفاته على سبيل المثال لا الحصر :
الفرائض القرآنية في علم الفرائض.
خطبة في الحث على الجهاد
اظهار المكنون في كشف الظنون.
قرة العينين في كرامات شيخنا الشيخ ماءالعينين.
زكاة الكاغذ الذي تتصارف الناس به اليوم .
رحلة الشيخ ماءالعينين الى فاس.
ثانيا : لحظة مقاومة المستعمر:
بعد وفاة أحمد الهيبة في يونيو 1919م .تولى مربيه رب قيادة المقاومة وهو الخبير باسترتيجية القتال ضد الفرنسيين وقد خبر المعارك والتخطيط العسكري ومع هذا كله قام بدور الموحد الايديولوجي للقبائل والعشائر. مستنفرا وموجها لمواجهة الدعاية الفرنسية التي عملت على نشر خطاب التفتيت واحياء النعرات والعصبيات بهدف ضرب وحدة المجاهدين. ولكن هذه الأساليب النفسية تصدت لها القيادة المعينية.
فشلت محاولات المستعمر للتشكيك في أفق المقاومة واستمر الشيخ في قتاله، وقد خاض معارك مابين 1921 و1929.انتصر في الكثير منها، آلى أن تم تشديد الخناق على المقاومة بحلول سنة 1934.
لم يثنيه القتال وقيادة الجماهير عن كتابة سيرة ذاتية خطها بنفسه، يصف الأحداث وملابساتها.
ثالثا : لحظة العبر من تاريخ الشيخ مربيه ربه:
مثل العالم مربيه رب نموذجا للشخصية الوطنية التي تحمل في عمقها وفي تنشئتها أبعادا ثلاثة : التربية و العلم والجهاد.
وهي الحمولات التي تأسست عليها ” الزاوية ” المعينية، التي تحمل خطابا ايديولوجيا متناسقا ومجموعة من التصورات حول الكثير من المواضيع والقضايا الخاصة بمغرب ما قبل الاستقلال.
اما عن التربية فقد خط مربيه رب على درب الشيخ ماءالعينين منظومة تربوية ذات شحنات دينية وذات بعد حركي.
الحركية في الفكر المعيني ترجمت لتحرك و فعل جهادي، مما يدل في نظري أننا أمام حركة لا تحسب على التصوف “الخونقي” المنقطع عن واقع الشعب.
الشيخ مربيه ربه من نتاج هذه الصنعة المجيدة التي أرسى معالمها الشيخ ماءالعينين.
من العبر كذلك دور مربيه رب في توحيد القبائل والعشائر السوسية والصحراوية. فقد كان ملما بمفهوم التعايش بهدف التساكن والتوافق وتقوية الجبهة الداخلية التي حاول المستعمر تفريقها بسياسات الاغراء تارة والتهديد تارة أخرى .
وأخيرا.. تاريخ المغرب، تاريخ رجال.
محمد الاغظف بوية كاتب وباحث.