
يعرف الدكتور زكي مبارك المدائح النبوية بأنها فن:”من فنون الشعر التي أذاعها التصوف، فهي لون من التعبير عن العواطف الدينية، وباب من الأدب الرفيع؛ لأنها لا تصدر إلا عن قلوب مفعمة بالصدق والإخلاص”. [1]
القارى لهذا التعريف و الناظر في ديوان الشيخ ماءالعينين، يرى كيف جسد الشيخ مفرداته و جمع بين معانيه،فشعر الشيخ في المديح النبوي و الابتهال نابع من بيئته و مدرسته الصوفية المحددة بضوابط طالما تحدث عنها في تعريفه لمنهاجه،غزير و متنوع لأهلية الشيخ وتمكنه من صنوف الأدب و اللغة كحال الشناقطة.
من هذا الديوان الكبير، نستقي بعض المختارات المديحية في حق جناب الرسول الكريم صلوات الله عليه.
يقول الشيخ ماء العينين مادحا خير البرية:
عَليْك صَلَاةُ اللهِ يا أفضلَ الورَى
وَيا أحْمدَ المبْعُوثِ بِالخيْر أكْثَرَا
تجليْتَ في الأكْوَانِ مِن كُلِّ وجْهَةٍ
برحْمَةِ مَوْلَانَا تسُرُّ مُيَسّرَا
إذا مَا بَدا شهر الرّبيع بدَا بهِ
منَ الرحْمةِ العلْيَا مظاهر أظهرَا
وَنيْسَانُ إذْ يبْدُو بنظْرتهِ سَقَى
ألُوفًا وَلمْ تَحتَجْ ضميرًا مُّخمّرا
حَمِدْنا إلَاهًا بالنّبيِّ تفَضُّلا
عَليْه صَلَاةٌ مّعْ سَلَام كَمَا سَرَى
(ديوان الشيخ ماء العينين، الصفحة 120، الطبعة الحجرية.)
و يقول أيضا:
بأي جهَاتِ المدْح أمْدحُ أحْمَدَا
وَسمّاهُ رَبي اللهُ ذَا وَمحمّدَا
وَلوْ أنّ كُلّ الكوْن ألْسِنةٌ بدَا
وَأثنَى عَلَيْهِ الدّهْرُ لمْ يُحصِ مَحْمَدا
عَلَيْه صَلَاةُ اللهِ تتْرا مجددا
وَمعْهَا سَلامُ اللهِ مادَامَ أحْمدا
(ديوان الشيخ ماء العينين، الصفحة 69، الطبعة الحجرية.)
كما ينشد مبتهلا مصليا:
أُصَلِّي عَلى المختَارِ مُختَارِ رَبِّنَا
منَ الخلْقِ أرْجُو أنْ ينحِّي لِكرْبِنَا
وَتُمْحَى بهِ الأجْدابُ عَنّا بجَاهِهِ
وَتُمْحَى بهِ الأجْرَامُ مِن كُلّ ذَنْبِنَا
وَسَلّمتُ لَمّا أن بَدَأْتُ مُصَلّيًا
عَلَيْهِ لكَيْ أُعْطَى القَبُولَ برَبِّنَا
(ديوان الشيخ ماء العينين، الصفحة 112،الطبعة الحجرية.)
ويصف الرسول الكريم في مقام مديحي:
نبيُّنا سيِّدنَا وَاحِدُ
شمْسُ الوَرى الغشمْشَمُ المَاجِدُ
سَرَى وَسرُّهُ سَرَى ظَاهِرًا
بَاطِنُه برحْمةٍ شَاهِدُ
أظهَرُ غَائب وَأخْفَى ظهير
في الوُجُود ذُو عُلًا عَابِدُ
أبْهرُ حُسْنًا أحْسَنٌ باهرٌ
أعْظَم قَدْرًا صَادِرٌ وَارِدُ
إليْهِ يَنتَهي كَمَالُ الوَرى
وَهْوَ التّمَامُ الخاتمُ الوَاحِدُ
صَلى عَليْه اللهُ مَا دَامَ رَا
كِعٌ وَدَامَ في الورَى سَاجِدُ
(ديوان الشيخ ماء العينين،الصفحة 136،الطبعة الحجرية.
و في الصلاة قال ناظما:
صَلَاتُكَ رَبي وَالسّلامُ عَلى النّبي
محّمدنَا الهَادي إلى كلِّ مَطْلَبِ
عَلَيْه صَلَاةُ اللهِ مَا لَاحَ كوكبٌ
تَلا كوكبًا يبْدُو عَلى أثرِ كوْكَبِ
(ديوان الشيخ ماء العينين، الصفحة 113، الطبعة الحجرية.)
ينشد في نفس الباب أبياتا فيقول::
تبرّأتُ من حولي وأُثني على النبي
بما ربه أثنى عليه من المدح
وصلَّيت مع تسليم ربي على النبي
وذاك لعمرُ الله يكفيه بالصحِّ
(ديوان الشيخ ماء العينين، الصفحة 68، الطبعة الحجرية.).
ونختم بقوله :
أزكى السّلام عَلى أزكى الورَى نسَبا
محّمد خيْر خلْق خالقي حَسَبَا
ذَاكَ النبيُّ الذِي فاقَ الورَى شرَفا
لاكِنّهُ قدْ عَلا مِن فوْقِهِمْ رُتَبَا
(ديوان الشيخ ماء العينين، الصفحتين 112-113، الطبعة الحجرية.)
[1]انظر الدكتور زكي مبارك: المدائح النبوية في الأدب العربي، منشورات المكتبة العصرية، صيدا بيروت، الطبعة الأولى 1935، ص:17.