
بقلم سيدي عثمان الشريف حسن
شيخنا الشيخ محمد الأغظف بن شيخنا الشيخ ماء العينين بن شيخنا الشيخ محمد فاضل بن الشيخ محمد الأمين (الذي غلب عليه شهرة لقبه :مامين ) الشريف الادريسي الحسني رحمه الله.
و لد سنة 1292هـ موافق 1874م بالدار الحمراء بالساقية الحمراء التي لا تبعد عن السمارة إلا بحوالي 18كلم(ثمانية عشر كيلومترا) شمالا.
تربى في حضن والده العالم المجاهد المجدد العامل الشيخ ماء العينين و في مدرسته تعلم علوم القرآن ، و بعد حفظه نبغ و تبصر في علوم الفقه و أصوله و التفسير و السيرة النبوية و أساليب التربية ، و قد شهد له بذلك علماء عصره على مختلف طبقاتهم وتخصصاتهم.

من ذلك ما أورده الشيخ أبو العباس سيدي أحمد بن الشمس في كتابه:” النفحة الأحمدية في بيان الأوقات المحمدية.”(الطبعة الأولى سنة:1330هجرية طبع المطبعة الجمالية بمصر في معرض كلامه عن التوحيد ص:166-167). قال :”قال لي نجل شيخنا أدام الله عزه, الولي الورع, التقي النقي , الزاهد العابد , المكاشف المربي , الألمعي الأطهر الأنظف , سيدي محمد الأغظف :” ما رأيت أصعب من المحافظة على ثلاث مسائل: – إفراغ القلب لله حتى يخلص لي به و لا يبقى فيه غيره.- و صدق الكلام لأني لما جربت نفسى وجدتها ربما تميل على الترخص في الكذب,و كان لا يترخص فيه صبيا و لا بعد ذلك, – و طهارة البدن و الثوب.” قال الشيخ أحمد بن الشمس:”و صدق…”و بعد أن أورد الشيخ بن الشمس أدلة من الكتاب و السنة على كل مسألة قال:”و هذه الكلمات الثلاثة يمكن أن يخرج العلم منها, لأن العلم إما اعتقاد بالقلب أو عمل بالجوارح. و تضمنت الكلمات القسمين….إلى أن قال:”و انظر نور النبوءة يلوح على هذه الكلمات, الموجزة المعجزة,و قد قالها في سن صباه…”
و قال العلامة الشيخ ماء العينين بن الحضرمي في حقه:”… القدوة البركة، ميمون السكون و الحركة ،العابد في الخلوات، الذاكر في الجلوات ،المحافظ على الصلوات، المنفق في الفلوات؛ عالي الهمة ،هادي الأمة ،النور المبين، الزلال المعين؛ المربي الأديب الناسك الحبيب؛ صاحب المجد و الشرف، بركة السلف وزينة الخلف ؛القطب العارف بالله ،الغني به عما سواه: الشيخ سيدي محمد الأغظف …قرأ القرآن على الوالد الشيخ السيد الحضرامي و مهر فيه غاية و أتقنه و أعطاه الإجازه …. و قرأ على أبيه العلم الباطن ؛وصدره لإرشاد الخلق، و تربية المريدين؛ وكان صاحب تحرير للعلوم ،و تدبر لها، ذا إنصاف في المذاكرة؛ متواضعا غاية. يكرم أهل العلم ,و يجالسهم و يحب لله و يبغض لله كثير الصوم و العبادة و الصدقة.مواسيا لخلق الله…).و هذه شهادة من عالم صدق أوردها في مؤلفه المشهور:”إفادة الأقربين في التعريف بذرية شيخنا الشيخ ماءالعينين”.
و قال في حقه الشيخ محمد الغيث(الشيخ النعمة بن شيخنا الشيخ ماءالعينين): (سمعت شيخنا الشيخ ماء العينين يثني عليه الثناء الحسن غاية و يقول إنه مرب للمريدين و قال لبعض أبنائه و مريديه الذين كانوا معه قولوا له شيخنا و ادعوه بها فإنه يستحقها و علمه نافع و محمود فاقرؤوا عليه…).
و قد أورد الشيخ ماء العينين بن الحضرمي أثناء الحديث عن شيخنا الشيخ محمد الأغظف أن هذا الأخير: (أنابه أبوه عنه في الصحراء مع أمواله و بعض عياله فحماهم الله به من الظلام … وخلفه أبوه في أهله سفره لمولاي عبد العزيز السلطان بن مولاي الحسن عام 1322هـ فأخذ بسيرة أبيه في أداء الصلاة أول وقتها بكمال طهارتها وقراءة الحديث في وقتـه صبحـا وظهرا وعصرا وكيفية عبادة أبيه وتدريس العلم للمريدين).
و من جملة ما قال فيه العالم القاضي الشاعر الأستاذ الموسوعة الشيخ ماء العينين بن العتيق في كتابه :”سحر البيان في مناقب شيخنا الشيخ ماءالعينين الحسان”…كان الشيخ محمد الأغظف حفظه الله من أجلاء المشايخ المرشدين, و أجلاء الرواسخ المتعبدين,قليل الفتور عن المجاهدة,كثير الحضور للمشاهدة,متصفا بالأوصاف الرحمانية,متأدبا بالآداب القرآنية.”
و يضيف الشيخ ماءالعينين بن العتيق :”قال فيه أخوه الشيخ مربيه ربه في كتابه…و أما بن شيخنا الشيخ سيدي محمد الأغظف فقد كان من أكابر الصلحاء العابدين, و الأفاضل العلماء العاملين,و أماثل الكرماء الزاهدين,و أماجد الأتقياء الواصلين,ذا جد و تحرير و اجتهاد و تقرير….يعلم من رآه تحقق ما قال شيخنا فيه من شعر بالحسانية الذي مضمونه بالعربية:
أغظفن ما يملكه من اليدين**خبره إن شئت أن تتممه
واحدة ممنوعة ممايشين**الاخرى لأنواع العطا مقسمه “

ثم بعد أن أورد ما قاله الشيخ أحمد بن الشمس أتى الشيخ ماءالعينين بن العتيق بما قاله الشيخ محمد العاقب و نقتطف منه ما يلي:” كان محمد الأغظف غضيض الطرف مليح الظرف…و كان كثير تحمل الأذى…و كان …وهوبا أريحيا وقد قال فيه شيخنا من شعر الحسانية ما معناه بالعربية:
أبان فضل الأغظف** رغم خياشم العدى
يسرى يديه ينتفي**بها عن الناس الردى
و لليمين العوم في**بحر السخاء و الجدى”
و يشير الشيخ ماءالعينين بن العتيق إلى أن الشيخ محمد الأغظف:”…رجع إلى البلاد الصحراوية بعد وفاة شيخنا بتيزنيت و هو أول من رجع إليها من أبنائه رضي الله عنه فأحيى ذكر شيخنا بها و جدد آثاره…فكان ولله الحمد روح البلاد و إنسان عين العباد و الهادي إلى سبيل الرشاد…”
و نوجز فيما يلي محطات من حياته نرجو من الله أن نكون موفقين في اختيارها:
1-كان من شيوخ العلم و التربية,أسند إليه والده تربية بعض إخوته و كان إخوته يرشدون إليه أبناءهم ليتربوا في كنفه .
2-كان لا تفارقه في حياة والده و بعدها خيمة متنقلة عبارة عن مدرسة لدراسة القرآن و علومه والحديث وعلومه وأنواع العلوم الإسلامية وكان يختار لهذه الخيمة الزاوية العلماء المرموقين للانتفاع من علمهم و قد أشار إلى ذلك محمد البوعناني نقلا عن مؤرخين من الإسبان حينما ذكر أول زاوية متنقلة في الصحراء.
3-شارك مشاركة فعالة في الجهاد ضد الاستعمار وبقي صامدا بعد وفاة والده مدافعا عن القيم وفيا لواجباته الدينية و الوطنية مخلصا للعرش العلوي المجيد و قد كتب ذلك الأجانب و غيرهم.
4-كان دوره في التئام الصف و توحيد الكلمة و تضافر جهود الكل دورا رائعا محمودا أعطى أكله في المناسبات الحاسمة و غيرها.
5-عينه خليفة السلطان في تطوان نائبا عنه في الصحراء بظهير خليفي.
6-ساهم بقدر قوي في المقاومة فعندما نفي جلالة الملك محمد الخامس طيب الله ثراه أمر بقصر الصلاة و الامتناع عن الاحتفال بالأعياد وعدم إظهار علامات الفرح حتى يعود.
7-انعقد عنده أكبر مؤتمر في أم “الشكاك” حضره أعيان القبائل و أهل الحل والعقد و انبثق منه اكبر وفد عرفته المنطقة يتوجه إلى الرباط لتجديد البيعة.
و هكذا استطاع هذا الوفد أن يخترق قوات المحتل لكي يؤدي البيعة لصاحب الجلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه.

بعد تأدية الوفد للبيعة و رجوعه للمنطقة وقعت محاولات جادة لتحرير المنطقة بطريقة سلمية لكن الاستعمار أصر على موقفه فخيضت معارك من طرف المقاومة وجيش التحرير و هاجر الشيخ محمد الأغظف مع انسحاب قوات جيش التحرير في عملية المكنسة “إيكوفيون” و استطاع بقدرة قادر أن ينجيه الله من قوات المستعمرين الفرنسي و الاسباني التي هاجمت جوا و برا جيش التحرير وساكنة المنطقة و هكذا وصل إلى مدينة الرباط سنة 1958 و قال في هذه الإفادة العلامة الزعيم علال الفاسي: (كان من جملة الوافدين على صاحب الجلالة لتجديد بيعة الصحراء الشيخ محمد الأغظف خليفة الشيخ ماء العينين، الذي قدم من السمارة و العيون في نحو الستمائة خيمة و في جملة وافرة من علماء تلك الناحية و أشرافها و قد أقاموا مدة في كلميم ثم دخل منهم إلى محلاته و انتقل الشيخ محمد الأغظف إلى الرباط حيث حظي بمقابلة جلالة الملك و أكد له بيعته وبيعة مريديه و أتباعه و الصحراء عامة، وهو الآن ضيف على جلالته كما كان والده الشيخ ماء العينين ضيفا على جلالة جده مولاي الحسن، و عميه مولاي عبد العزيز و مولاي عبد الحفيظ.
8-بعد حياة مليئة بالجهاد و العطاء العلمي و التربوي استقر العلامة الفاضل والمربي المناضل و الشيخ العامل الشيخ محمد الأغظف بمدينة طانطان حيث توفي في شهر أكتوبر سنة 1960م رحمة الله عليه.
وبعد وفاة شيخنا الشيخ محمد الأغظف تغمده الله برحمته بطانطان أمر المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه بإقامة موسم سنوي ديني واقتصادي وثقافي عند ضريح هذا الولي الصالح المجاهد بطانطان سمي باسمه اعتبارا لما قدمه من تضحيات جسام وفاء منه للمقدسات الدينية والوطنية.و قد انطلق هذا الموسم بصفة رسمية يوم:05/05/1965م.
فأم هذا الموسم جميع ساكنة الصحراء المغربية (الساقية الحمراء ووادي الذهب) التي كانت في هذا التاريخ تحت نير الاستعمار الاسباني كما توافد على هذا الملتقى الديني والاقتصادي زيادة على ساكنة أقاليم المملكة المغربية جميعا و بعض تجار الدول المجاورة وغيرها وكان هذا الموسم مناسبة اغتنمها أبناء الصحراء المغربية الوافدين من الأقاليم المحتلة آنذاك من طرف المستعمر الاسباني للتعبير عن تشبثهم بالبيعة للعرش العلوي المجيد وللجالس عليه.
زيادة على ما أعطى هذا الموسم من التواصل وإحياء صلة الرحم وخدمة استكمال الوحدة الوطنية.
وبعد استرجاع أقاليمنا الجنوبية (الساقية الحمراء ووادي الذهب) إلى الوطن الأم بفضل مسيرة سلمية قرآنية خضراء من وحي عبقرية الموحد الباني جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه تشرف إقليم العيون بالزيارة الملكية التاريخية التي قام بها المغفور له لهذه الجهة سنة 1985م و شهدت انطلاق مشاريع كبرى . فبمناسبة هذه الزيارة الميمونة قام جلالة المغفور له بتدشين مجموعة من المرافق الحيوية التي كان من جملتها المركب الرياضي الكبير بالعيون الذي تفضل مولانا المغفور له فأطلق عليه اسم:” المركب الرياضي الشيخ محمد الأغظف” حيث مقر زاويته المشهورة بهذه المدينة والتي لها فروع ومريدون داخل الوطن وخارجه؛عطفا من العرش العلوي المجيد واعتبارا لهذا الولي الصالح العالم العامل كما عهد في الملوك العلويين أبد الله ملكهم من الاعتناء بالعلماء العاملين والأولياء الصلحاء المخلصين . وازداد هذا الاعتناء والتقدير في عهد أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله .
رحم الله السلف و بارك في الخلف و صلى الله على سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم.