زيارة الشيخ ماءالعينين لمراكش سنة 1314 ه من خلال رسائل تاريخية

يقول محمد الحسن بن القائد إدريس بن يعيش واصفا مشهدا من مشاهد استقبال السلطان مولاي الحسن الأول و أعوانه للشيخ ماء العينين:”..ثم إننا شاهدنا من احترام المخزن كله للشيخ عجبا، فقد كان الوزراء يخرجون عن إذن الملك لملاقاته، فخرج في عهد مولاي الحسن محمد الصغير الجامعي العلاف -وزير الحرب-، والفقيه علي المسفيوي وزير الشكايات، وفضول غريط وزير البحر -وزير الخارجية- وابن العلام قائد المشور، فيخرج الكل في العسكر فيلاقون الشيخ في باب الرُب، ثم إذا اصطف الناس أمام الشيخ يدعو لهم، ثم يمال به إلى محل النزول والكل معه، والنفقة على خزينة الدولة. ثم تكون الملاقاة مع الملك يوم الجمعة بعد الصلاة، والشيخ يصلي  إزاء الملك، وهذه هي العادة في عهد مولاي الحسن، وفي عهد مولاي عبد العزيز، وفي عهد مولاي عبد الحفيظ اثر ما بويع في مراكش.”(1)

من سلسلة الوثائق التاريخية المتعلقة بالعلاقات الروحية و السياسية التي ربطت الشيخ ماءالعينين بملوك الدولة العلوية الشريفة، نورد في هذه الفقرة مجموعة من الرسائل الخاصة بسفر الشيخ ماءالعينين إلى السلطان مولاي عبد العزيز بمراكش سنة 1314 للهجرة ( توافق سنتي 1896- 1897 ميلادية)،الذي ما فتئ يوصي قادة المناطق التي مر بها الشيخ من أجل توفير كريم العناية و الرعاية بالشيخ و مساعدته في مؤونة الرحلة…

سنة 1314 للهجرة، خلف الشيخ ماءالعينين على أهله ابنه الشيخ سيداتي، و انطلق في رحلته الأولى إلى السلطان عبد العزيز، الذي استقبله بمراكش و أحسن ضيافته بما يليق بمكانة الشيخ ماءالعينين و سيرا على نهج والده.

خلال هذه الزيارة قام السلطان عبد العزيز بتحبيس زاوية للشيخ ماءالعينين بمراكش، حسب ظهير سلطاني مؤرخ بتاريخ 13 رجب 1304 هجرية (2)، و يتضح ذلك أيضا من رسالة شكر بعثها الشيخ ماءالعينين إلى السلطان(3).

رسالة من الشيخ ماءالعينين للسلطان مولاي عبد العزيز

يقول المختار السوسي: ” ثم لما استقر مولاي عبد العزيز بمراكش مرجعه من فاس سنة 1314 ه، وفد عليه الشيخ، فاهتبل به الملك اهتبالا عظيما فاتخذه شيخا فتلقن منه ورده بايعاز من أحمد فأمر ببناء زاويتين له في مراكش و في فاس و بنى أصحابه أخرى في سلا…”(4)

ارتبطت هذه الرحلة أيضا بحدث مهم، و هو تبرئة الشيخ ماءالعينين للشيخ محمد عبد الكبير الكتاني بعد أن كفره بعض العلماء و شكوه للسلطان مولاي عبد العزيز بسبب “صلاته الأنموذجية”، فكان أن جلس الشيخ ماءالعينين مع الشيخ الكتاني و ناقشه في كتابه و صلاته ثم برأه مما نسب إليه(5).

لم تنته رعاية السلطان للشيخ و السهر على ضيافته عند أبواب الحمراء، بل حرص على أن تمر رحلته في أحسن الظروف من خلال توفير المبيت و المؤن في طريق العودة من مراكش مرورا بالصويرة و طرفاية…، وهذا ما تؤكده رسالة من السلطان مولاي عبد العزيز إلى القائد الركراكي الشيظمي نقرأ فيها :

 

“الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله

خديمنا الأرضى القائد الرجراجي الشيظمي وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله وبعد فنأمرك أن تقوم بمئونة الشيخ البركة سيدي ماء العينين ليلتي مبيته باماست وبثلاثاء الحنشان وتعجل بإنزال ما فيه كفاية له ولمن معه منها في المحلين المذكورين ولا بد. والسلام في 23 رجب عام 1314هـ

ثلاث الحنشان بلدة بين مراكش و الصويرة من اقليم الصويرة حاليا. أثناء وصول الشيخ ماءالعينين الصويرة و تجهزه للسفر بحرا، تكفل قائد المدينة بتوفير الإقامة و قضاء حوائج الشيخ حتى ركوبه البحر شعبان 1314 هجرية، كما جاء في رسالة جوابية بعث بها كل من أحمد برادة وعبد القادر الرزيني، أميني التعشير بمرسى الصويرة، في شأن حمل أمتعة الشيخ في الباخرة من الصويرة إلى الطرفاية ومما ورد في الرسالة:

ننهي لكريم علم مولانا أيده الله أنه ورد علينا أمره المطاع بالله بإنزال الشيخ البركة سيدي ماء العينين في دار المخزن الكبيرة بالقصبة… اننا قد امتثلنا أمره الشريف من إنزال الشيخ البركة المذكور في دار سيدنا الكبيرة والقيام بمئونته ومئونة من معه مدة إقامته، وحزنا منه ما أراد توجيهه في البحر لمرسى الطرفاية من قشَّه وحوائجه و أصحابه، ووجّهناه في البابور، وقمنا أيضا بعلف ما عنده وعند من معه من البهائم، واعتنينا به في ذلك إلى أن توجه بسلام أمس تاريخه وفق أمر مولانا المعتز بالله والسلام في 15 شعبان الأبرك عام  1314هـ خدام سيدنا أميني التعشير بمرسى الصويرة أحمد برادة وعبد القادر الرزيني”.

أوجه عدة اتخذتها العلاقة بين الشيخ و معاصريه من ملوك الدولة العلوية، تدرجت و تطورت من زيارة عالم شاب شنقيطي إلى حاضرة المغرب فاس، إلى شيخ و أب روحي هو الحكم و الفيصل، يحوز علاوة على ثقله العلمي و الروحي، وزنا سياسيا ظهر مع دخول المغرب تحت غطاء الأطماع الاستعمارية و بداية التوغل الفرنسي و انعكاسها على المشهد السياسي الداخلي.

ماءالعينين بوية

المصادر:

(1) المختار السوسي، المعسول ج4 ص 94

(2) الشيخ ماء العينين علماء وأمراء في مواجهة الاستعمار الأوروبي؛ الجزء الأول، الطبعة الأولى ص 491. تأليف: الطالب أخيار بن الشيخ مامينا؛ منشورات مؤسسة الشيخ مربيه ربه لإحياء التراث والتنمية.

(3)رسالة من الشيخ ماءالعينين للسلطان مولاي عبد العزيز بتاريخ 24 رجب 1314 للهجرة.

(4) المختار السوسي، المعسول ج4 ص 93

(5) انظر معجم الشيوخ لعبد الحفيظ الفاسي ص 42 و 43