علاقة الشيخ أحمد الهيبة بحركة الشيخ عابدين الكنتي على ضوء رسالة جهادية من سيدي بن قطرب الديماني

تميزت الحركة الجهادية المعينية بامتدادها و علاقاتها مع باقي الحركات المقاومة في المغرب و موريتانيا حاليا بل شملت مناطق أخرى مما يسمى بتراب البيضان ( أو البيظان) كأزواد بشمال مالي أو توات (الجنوب الغربي من الجزائري حاليا…)، و حاولت أن تؤطر عملها المقاوم ببعد أممي، و ذلك بتواصلها مثلا مع مبعوثي الخلافة العثمانية، و إن بشكل محدود إبان فترة الشيخ أحمد الهيبة.

رسالة اليوم و كسابقاتها من الوثائق التي نشر الموقع في هذا الباب(*)، تجسد هذه الروابط، مع معطى الامتداد الجغرافي الذي جمع الشخصيات الثلاث، من حيث النشأة و مكان الرسالة، فالمقاوم سيديا الديماني و معه الشيخ عابدين الكنتي و كلاهما من منطقة بعيدة كل البعد عن مكان اجتماعهما ( تافيلات) زمن بعث الرسالة، و الشيخ أحمد الهيبة كذلك وهو حسب ما يستشف لاحقا قد تلقى الرسالة و حامليها زمن تواجده في بلاد سوس….

صاحب الرسالة المجاهد سيدي بن أحمد بن قطرب الديماني، بعثها إلى الشيخ أحمد الهيبة بن الشيخ ماءالعينين، يجدد فيها العهد الذي كان بينهما، كما يبلغه سلام “الشيخ عابدين”…علاوة على ما تحدث به من أخبار الجهاد في منطقة تافيلات و وادي درعة.
سيدي في الرسالة أو سيديا كما جاء ترجم له المؤرخ الطالب أخيار بن مامينا هو “ سيديا بن أحمد بن المختار بن قطرب الديماني من أولاد باب احمد، كان من العلماء الأجلاء المشار إليهم في بلادهم، هاجر إبان الحملة الفرنسية لمنطقة الترازة، و التحق بالشيخ ماءالعينين بالسمارة، فمكث معه مدة و أخذ عنه الطريقة و بعض العلوم، و لما عاد بعد وفاة الشيخ ماءالعينين اعتقلته السلطات الفرنسية بتهمة علاقته بالشيخ ماءالعينين و غربته الى مالي من افريقيا

ذكره الشيخ محمد الامام بن الشيخ ماءالعينين ضمن وفد الترارزة الذي قدم مع الوفود الأخرى على الشيخ ماءالعينين سنة  1325 ه في أمر الجهاد…..توفي في تنبكتو“.(1)

ويذكر الكاتب اعمر بن شيخنا في مقالة له عن بن قطرب، أنه انتقل إلى تنبكتو في مجموعة من المجاهدين قصد استهداف المستعمر الفرنسي فسجن هناك، و فيها اتصل بالمجاهد الشيخ عابدين بن المختار الكنتي.

أما الشخصية الثانية وهو الشيخ عابدين ( ولد سنة 1848 م) بن سيدي المختار بن سيدي محمد الخليفة بن سيدي المختار الكنتي، قاوم المستعمر الفرنسي في منطقة أزواد  و بلاد اهكار، جاهد المستعمر الفرنسي ما بين سنتي 1892 و 1917 ميلادية(2)، و مع تقدم الفرنسيين في تلك البلاد، توجه (1902 م) إلى جنوب المغرب ليتمركز بين تافيلات و بلاد وادي درعة، شارك في المقاومة و ظل في تلك البلاد حتى وفاته سنة 1927 ميلادية.

صورة منسوبة للشيخ عابدين

وحسب الوثيقة المعروضة فالمجاهد سيديا كان مع الشيخ عابدين في تلك البلاد، و في ذلك يقول المؤرخ اعمر بن شيخنا في مقالة له “... وعلى ضوء معلومات ثمينة عثرنا عليها في مخطوط نادر لمؤلف أزوادي مجهول معاصر للمرحلة الاستعمارية، تناول تاريخ أزواد والبرابيش وحروبهم ودخول النصارى إلى تنبكتو،تأكد لدينا أن سيديا ولد قطرب جاء أزواد على رأس “غَزِّي” من المجاهدين قصد استهداف الفرنسيين وحلفائهم، ففي سياق سرد المؤلف للحروب بين المقاومة من جهة والإدارة الاستعمارية وحلفاؤها من جهة أخرى،ذكر بعض “الغزيان” التي كانت تُغِيرُ على أزواد، وفي مقدمتها غزيان الشيخ عابدين من قبائل أدومنيع والشعانبة وأولاد جرير وعريب،وأثناء سرده لتلك الوقائع ذكر مايلي: <<ثم صالت قوم أيضا على انكوم(اسم بئر) فتعرضت لهم البرابيش، فقتل منهم رجال وقبض واحد منهم اسمه سيدي، وهو قائد الجيش من أولاد ديمان، وسجن في تنبكت>>.”(3)

إلى أن يقول “.… وقد كانت هذه العملية في العام 1915 كما يشير كاتب المخطوط…إن معلومة وجود سيدي ولد قطرب على رأس “غزي” يستهدف الفرنسيين وحلفائهم في أزواد؛ تؤكد بما لايدع مجالا للشك أن الرجل أصبح جزءا من حركة المجاهد الشيخ عابدين الكنتي، التي كانت عملياتها بالأساس تستهدف الوجود الاستعماري في هذا الإقليم. وأن ولد قطرب تجاوز مرحلة الهجرة والأدب المقاوم إلى الانخراط المباشرفي العمل المسلح،مما يعني أنه ربما شارك من قَبْلُ في عمليات عسكرية في موريتانيا أوفي جنوب المغرب وحتى أزواد.”(4)

يقول سيديا بن أحمد بن المختار في رسالته:

الحمد لله وحده ولا يدوم إلا ملكه وصلى الله على من لا نبي بعده.
وبعد، فتبليغ(السلام) وغاية التحية والإكرام من سيدي بن أحمد بن المختار بن قطرب إلى الشيخ أحمد الهيبة بن الشيخ ماء العينين.
موجبه، أني على العهد الذي كان بيننا لا نتخلف عنه إن شاء الله، وأني ناصر له حيث كنت، وسلم عليه الشيخ عابدين أزكى سلام وأتمه.
وبعد السلام التام الأزكى، يبعث له ما وقع من أمره مع النصارى في تلك الناحية. أطال الله عمره، وأعانه على أمره.
ويرسل أيضا لهذه الناحية ومن فيها، كأهل تافلالت وأهل ادر بالحث على الجهاد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وكتب سيدي المذكور فوق.
وهذان الرجلان من البراوة ياتوه بالخبر منك عاجلا، وزودهما.

نسخة من الرسالة

المصادر:

(*) انظر ركن مقالات، رسالة للشيخ ماءالعينين لشيخ كنتة محمد المختار بن حامد، أو رسلة الشيخ لقبيلة ادوعيش، رسائل أبنائه لبعض قبائل سوس، أو رسائل تتحدث عن التنسيق بين المقاومة في بلاد الرحامنة أو الأطلس…و وثائق أخرى عن علاقة الحركة بالشرق وجدة مثالا…

(1) كتاب الشيخ ماء العينين علماء وأمراء في مواجهة الاستعمار الأوروبي؛ الجزء الأول، الطبعة الثانية ص365 تأليف: الطالب أخيار بن الشيخ مامينا؛ منشورات مؤسسة الشيخ مربيه ربه لإحياء التراث والتنمية.

(2) قاعدة المغرب الأقصى قبل فاس، عبد الله حمادي الادريسي ص 416

(3)مقال كشف جديد في سيرة الأديب المجاهد سيديا ولد قطرب، للمؤرخ اعمر بن شيخنا، رابط مقال من موقع https://www.riyaheljenoub.com /

(4) نفس المصدر