باحثون يسلطون الضوء على نشاط حركة التأليف في سوس والصحراء خلال العهد العلوي

نظمت الرابطة المحمدية للعلماء بتنسيق وتعاون مع وزارة الثقافة ندوة علمية في موضوع: «نشاط حركة التأليف في سوس والصحراء خلال العهد العلوي»، تولى تسيير جلساتها الدكتور محمد المنتار رئيس مركز الدراسات القرآنية بالرابطة المحمدية للعلماء، وقد حضرها ثلة من الباحثين المتخصصين.

وأكد الدكتور محمد المنتار عن أهمية الندوة التي تهدف إلى رصد حركة التأليف بسوس والصحراء باعتبارهما حاضرتي علميتين كبيرتين عرفتا نهضة علمية كبيرة في عهد الدولة العلوية الشريفة التي تميزت برعاية سلاطينها للعلم والعلماء، منذ تأسيسها مرورا بعهد المولى إسماعيل، وصولا إلى عهد جلالة الملك محمد السادس حفظه الله.

وفي مداخلة بعنوان: «مقاصد التأليف عند علماء الصحراء»، أكد الدكتور جمال بامي، رئيس وحدة علم وعمران بالرابطة المحمدية للعلماء، أن ” التأليف لا يمكن أن ينعزل عن المجال العمراني والاجتماعي والاقتصادي وغيره من المجالات، بل كلها عبارة عن وحدة متكاملة غير قابلة للتفكيك، ومن هنا اعتبر المحاضر أنَّ الصحراء كانت أساس بناء الحضارة المغربية على مدى العصور، حيث كانت نقطة وصل بين المغرب ودول إفريقيا، وهذا المشروع التوحيدي الذي يربط شمال المغرب بجنوبه كان مقصدا حاضرا في مؤلفات أحد أعيان علماء الصحراء، وهو العلامة ماء العينين، الذي استطاع بعلمه وجهاده أن يوحد قبائل الصَّحراء، ويدفعها إلى مقاومة المستعمر الذي بدأ يتسلل إلى بعض المناطق الساحلية للصحراء المغربية.

وأشار الدكتور إحيا الطالبي، أستاذ التعليم العالي بجامعة ابن زهر بأكادير، الذي خصّص مداخلته للحديث عن: «التأليف الفقهي والأصولي في الجنوب المغربي”، الى حركة التأليف الفقهي والأصولي لدى علماء سوس والصحراء، مبرزا أن منطقة سوس عرفت عناية فائقة بالفقه والأصول، تأليفا وتدريسا، فمادة الفقه من المقررات الضرورية في المدارس العتيقة، بل كانت هناك مدارس تعتني بنوع معيَّن من أبواب الفقه، حتَّى إنَّ «مدرسة أَدُوزْ» كانت تسمى بـ«مدرسة بيوع الأجل»، لكونها تعتني بهذا النوع من البيوع، ثمَّ قسم حركة التأليف الفقهي لدى علماء سوس إلى أربع مراحل: المرحلة الأولى: عرفت هذه المرحلة ظهور كتابات في فقه النوازل، ثم المرحلة الثانية: وأهم ما ميَّزها ظهور ترجمات لمختصر الشيخ خليل بتاشحليت، وكذلك التأليف في فقه العمل، أي ما جرى به العمل لدى أهل سوس.وفي هذه المرحلة أيضا ظهرت مؤلفات في علم الفرائض، مثل مؤلفات العلامة أحمد بن سليمان الرَّسْمُوكي(ت1133هـ).

أما المرحلة الثالثة فعرفت الحركة الفقهية انتعاشا كبيرا بسبب انتشار كتب النوازل، وأشار الأستاذ المحاضر إلى أنَّ هذه المرحلة اتسمت كذلك ببروز الجانب النقدي في الفقه، حيث أُلِّفَت بعض المؤلفات الَّتي نَحَتْ منحى النَّقد الفقهي، كما فعل العلامة محمد بن أحمد الحُضَيْكي(ت1189هـ)، الَّذي انتقد بعض الحواشي على مختصر الشيخ خليل. المرحلة الرابعة: وهذه المرحلة تزامنت مع فترة الاستعمار، وذكر المحاضر أنَّ المؤلفات الفقهية المنتمية لهذه المرحلة كانت مسايرة للمستجدات الطارئة، ومع ظهور السيارة، والتلغراف، ألَّف بعض العلماء في حكمهما، وذكر بعض الأمثلة على ذلك، كما تميز التأليف الفقهي في سوس بظهور منظومات فقهية، مثل منظومات العلامة عبد الرحمن الجُشْتِيمِي(ت1269هـ).

وأما التأليف الأصولي لدى علماء الصحراء، فقد ساهم فيه عدد من العلماء، مثل العلامة عبد الله بن إبراهيم العلوي(ت1235هـ)، الذي اشتهر بمنظومته «مراقي السعود لمبتغي الرُّقي والسعود»، وشرحها «نشر البنود»، ثم إن هذا الحضور الأصولي تعزّز مع المدرسة المَعِينية وشيخها ماء العينين، الذي ألّف عدة مؤلفات في علم الأصول أهمها: «المُرَافق على الموافق»، وهو شرح لكتاب الموافقات للشاطبي.

وفي ختام المداخلة، خلص الأستاذ المحاضر إلى أنَّ التأليف الفقهي والأصولي لدى علماء سوس والصَّحراء لم يصل إلى مستوى الجدة والإبداع؛ فغالب الأعمال تتعلق بخدمة متون متداولة إما شرحا أو تحشية أو نظما.

وأما الورقة البحثية الثالثة المدرجة ضمن هذه الندوة فكانت بعنوان: «المصنفات الحديثية لعلماء سوس والصحراء» أعدّتها الدكتورة حنان الجد، الباحثة المؤهلة بالرابطة المحمدية للعلماء، تتبعت فيها المصنفات الحديثية لعلماء هذين القطرين، وركزت في المحور الأول على نماذج من المصنفات الحديثية لدى علماء سوس، وذكرت أسماء بعض الأعلام الذين صنفوا في علم الحديث، لتنتقل إلى المحور الثاني من المداخلة، وهو التعريف بنماذج من المؤلفات الحديثية عند علماء الصحراء، كما نوّهت أيضا بالعلامة الشهير بماء العينين وإسهامه الوازن في مجال الدراسات الحديثية بالصحراء، وعرّفت الباحثة بعدد من مؤلفاته الحديثية.

أما العرض الرابع في هذه الندوة فكان بعنوان: «عناية علماء سوس والصحراء بتدوين رحلاتهم»، للدكتور عبد القادر سعود، ـ الباحث بمركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بالرابطة المحمدية للعلماء ـ استهله بالحديث عن سوس والصحراء؛ باعتبارهما منبتا للعلم أخذا وعطاء، وفيما يتعلق بأدب الرحلة عند السوسيين فقد اعتبر المحاضر أنَّ السُّوسيِّين كانت لهم عناية كبيرة بتدوين رحلاتهم، ولكن كلَّما تجدَّد مسار الرِّحلة كان ذلك مدعاة للجِدَّة والتَّميُّز فيها، كما سجَّل أنَّ هذا الفَنَّ عرف نشاطا كبيرا في عهد السُّلطان العلوي المولى إسماعيل.

وذكر المحاضر أنَّ من إبداع السوسيين في تدوين رحلاتهم أنَّ بعضهم خالف المعهود، فاتجه إلى نظم رحلته، كما فعل الرَّحَّالة سعيد بن أحمد الإدريسي الكثيري الهشتوكي.

وخُتِمَتْ أعمال الندوة ببحث في موضوع :«التعريف بمؤلفات سيدي المصطفى الشهير بماء العينين”، أعدّه وألقاه الدكتور محمد عالي أمسكين، أستاذ التعليم الثانوي التأهيلي بطانطان ـ وبدأه بالحديث عن مكتبة الشيخ ماء العينين، التي اعتبرها من أكبر المكتبات بالجنوب المغربي، حيث كانت تُشدُّ إليها الرحال، وتُضرب إليها أكباد الإبل، لما تحتويه من الكنوز والذَّخائر العِلمية، التي بلغ عددها نحو عشر آلاف كتاب.

ثم بعد هذه المقدمة الوجيزة انتقل الباحث إلى الحديث عن مؤلفات العلامة ماء العينين رحمه الله، ونبَّه على أنَّه كان كثير التَّأليف، دائم التَّقييد، وأنَّ ما عرف من مؤلفاته ليس إلاَّ القليل ممَّا ألَّفه رحمه الله، وذكر أنَّ بعض الباحثين أوصلها إلى نحو أربعمائة كتاب، في حين أنَّ ما عُرف منها نحو مائة وعشرين كتابا فقط، شملت مختلف العلوم والفنون، مثل: التفسير، والحديث، والتوحيد والعقيدة، والفقه، وأصول الفقه، والتصوف، والنحو واللغة والعروض، والفلك، والتاريخ، وغيرها، وفي كل علم من هذه العلوم.

نقلا عن موقع الدار المغربي