
يكتسي أدب الرحلات أهمية خاصة لما يحمله من معلومات تاريخية و اجتماعية و جغرافية، علاوة على ما يتضمنه من صور أدبية وصفية لظروف الرحلة و لانطباعات الرحالة حول ما شاهده و سمعه لينقله لأهله و محيطه بل لأجيال قادمة .
اهتم كثير من علماء المغرب و بلاد شنقيط على غرار باقي الفقهاء و العلماء ممن تيسر له الحج على تدوين رحلاتهم، و من هؤلاء نذكر: ابن بابا التيجاني، الطالب أحمد المصطفى بن طوير الجنة،الشيخ ماءالعينين بن الشيخ محمد فاضل،محمد يحيى الولاتي، العلامة ماءالعينين بن العتيق، الشيخ مربيه ربه بن الشيخ ماءالعينين…
كتاب “الرحلة الحجازية” الذي بين أيدينا، و الذي سنحاول تسليط الضوء عليه و تقديم نبذة عنه اعتمادا على توطئة الأستاذ مربيه ربه ماءالعينين محقق الكتاب، هو من تأليف الشيخ ماءالعينين و من أعماله التي وصفها صاحب التحقيق بقوله: ” من أعمال الشيخ ماء العينين بن الشيخ محمد فاضل بن مامين المغمورة، التي يكثر عنها الحديث داخل أوساط أسرته ولا يرى لها أثر رحلته الحجازية.وما عدا فقرات متناثرة منها هنا وهناك في بعض مؤلفاته أو مؤلفات أنجاله كالشيخ محمد تقي الله والشيخ مربيه ربه والشيخ محمد الغيث النعمة ، أو سبطه العلامة ماء العينين بن العتيق أو ما أشار إليه بعض كبار مريديه كالشيخ أحمد بن الشمس والشيخ محمد العاقب بن ما يابى أو مريدي والده كالشيخ محمد فاضل بن الحبيب الذي مدحه بقصيدة بعد عودته من الحج، فإننا نكاد نجزم بضياعها كالعديد من أعماله الأخرى.”
رحلة الشيخ ماءالعينين، لم تكن رحلة عادية، بل كانت سفرا علميا سياسيا تربويا، التقى بملوك المغرب و بعلماء في الحجاز، ألف خلاله، و رصد حركية مجتمعات تتطور، عرف ببلاده و بمدرسته…، يقول الأستاذ مربيه ربه في هذا الصدد:
“ورغم القيمة التاريخية الجغرافية والدينية والسياسية لهذا العمل العلمي المتميز، الذي أنجز في منتصف القرن التاسع عشر، فإنه ظل حبيس الرفوف أو الصناديق لمدة تزيد على قرن ونصف من الزمن دون أن يستفيد منه احد للأسف الشديد”.فرحلة الشيخ ماء العينين الحجازية على اختصارها، تتضمن وصفا دقيقا — لكل الأماكن التي مر منها: من منطقة الحوض في أقصى الجنوب الشرقي الموريتاني إلى مدينة طنجة مرورا بشنجيط فكولميم فالصويرة فمراكش، ومنها إلى مدينة سلا، حيث كان لقاؤه مع السلطان محمد الرابع الذي كان وقتها خليفة لأبيه، ومنها إلى مدينة مكناس، حيث تم اللقاء مع السلطان مولاي عبد الرحمن الذي تذاكر معه حول أحوال الجنوب وساكنيه ومواضيع علمية متنوعة، وأخيرا إلى طنجة، حاملا رسالة من السلطان إلى عامله على طنجة ابن الخطيب، والتي سيغادرها يوم 5 شوال (1274هـ/1858م) متوجها إلى البقاع المقدسة بحرا مرورا بمصر.
تتجزأ الرحلة حسب مؤلف الكتاب من مقدمة و فصل و خاتمة، تحدث صاحب التحقيق عن ظروف تجميعها و تحقيقها بقوله:
“و الرحلة – كما يذكر مؤلفها في مقدمته – مكونة من مقدمة وفصل وخاتمة. وما حصلت عليه منها يقتصر على المقدمة وجزء كبير من الفصل إن لم يكن كله. أما الخاتمة فلم أعثر عليها. ومع ذلك فإن ما بحوزتي من الرحلة يستوفي أهم ما تضمنه الفصل منذ خروج المؤلف من عند أهله حتى عودته إلى جنوب المغرب. وأثناء البحث عن نسخ أخرى من الرحلة غير التي بحوزتي عثرت على نسخة جد مختصرة من الرحلة، وهي عبارة عن كرونولوجيا متسلسلة تناولت تواريخ الرحلة بدقة متناهية من خروج المؤلف من عند أهله يوم الخميس 28 جمادى الأولى سنة 1274هـ حتى عودته إليهم سنة 1281 والنسخة في حالة جيدة بخط مقروء متداكن في خمس صفحات ومضمونه متطابق كليا مع ما في النسخة التي بحوزتي، وإن كان أضاف إليها تاريخ عودة المؤلف إلى أهله. فتوكلت على الله، وقررت أن اعتني بما تيسر الحصول عليه وأعده للنشر عملا بمقولة: “ما لا يدرك كله لا يترك جله، على أمل أن يظهر الجزء المتبقي من هذا العمل العلمي الثمين فأضيفه إلى ما سبقه في طبعة لاحقة إن شاء الله. ثم إني عثرت بعد ذلك على بعض التقييدات القديمة حول هذه الرحلة فقارنت مضامينها مع الرحلة فإذا هي متطابقة، مع أن أصحابها مجهولون.”
يقدم الأستاذ مربيه ربه في توطئته للكتاب، وتحت عنوان أهمية الرحلة، موجزا لأهم مراحل الرحلة و ما صوره الشيخ، دواعي الرحلة، حالته النفسية عند اقدامه على الحج…تفاصيل يقول عنها صاحب التحقيق:

قدم المؤلف لرحلته بوصف حالته النفسية عندما تبادرت له فكرة الحج، فعبر عن جملة من الأحاسيس والنصائح والإرشادات لمن هم بالإقدام على عمل جلل، وهو في هذه الحالة زيارة إلى بيت الله الحرام. وهو عمل جلل فعلا إذا ما علمنا أنه سيحصل في أواسط القرن التاسع عشر، وما يتطلبه ذلك من حزم وحيطة ومعاناة وصبر، وسيجد نفسه لأول مرة في مهامه وقفار ومفاوز مجهولة محفوفة بالمخاطر والأهوال، في مسالك لا تخلو من وحوش مفترسة ولصوص وقطاع طرق وغير ذلك من المكاره .
خاصة وأن المؤلف يعلم أنه إذا ما قدر له أن يعود الى اهله فسيكون الأول من أسرته الذي يحج ويعود سالما، لأن كل من حج قبله من أسرته توفى قبل رجوعه لبلده. وقد تضمنت هذه المقدمة كثيرا من الشواهد والاستدلالات شعرا و أقوالا مأثورة ونثرا …ولدى وصول الشيخ إلى الحجاز قام بقياس ما يزعم أنه قبر أمنا حواء الذي أخذت منه مدينة جدة اسمها، على اعتبار حواء جدة البشر. وفي مكة المكرمة قام بقياس أضلاع الكعبة وما بينها وبين المقامات المحيطة بها وعدد أبواب المسجد الحرام وأقواسه وقناديله، وتحدث عن ماء زمزم و فوائده، وهو ما فعله كذلك عند وصوله الحرم النبوي بالمدينة المنورة…أما في طريق العودة فقد تحدث عن بعض أوجه التقدم التكنولوجي الذي عرفه العالم في أواسط القرن التاسع عشر، إذ وصف القطار الذي أقله من القاهرة إلى الإسكندرية، وسرعته وحمولته وسكتة؛ ووصف التلغراف الذي كان يربط بين القاهرة والإسكندرية والسويس، كما تحدث عن بدايات الطيران الذي كان وقتها بالمناطيد عندما توقف بجزيرة مالطة إلى جانب بعض أوجه التكنولوجيا الآلية الأخرى التي لم يكن المغرب قد عرفها بعد..وبعد رجوعه إلى المغرب، قضى عدة أيام في ضيافة سيدي محمد بن السلطان مولاي عبد الرحمن الذي أكرم وفادته، وحضر معه حفل الولاء بمناسبة عيد الفطر، فوصف مراسيمه وصفا دقيقا، وهي المراسيم التي ما زال معمولا بها الى يومنا هذا.وعلى امتداد الرحلة، كان المؤلف دقيقا في مواقيت السفر، خروجا من مدينة ودخول أخرى ومدة السفر بين المدينتين سواء كان السفر بحرا أو برا..في آخر الرحلة، يعكس المؤلف جانبا هاما من العادات الحميدة والتقاليد التي كانت سائدة بين قبائل الصحراء، وتتمثل في التنافس في إكرام الحجاج والتبرك بهم، ومكانة العلماء في مجتمع الرحل وحظوتهم لدى الجميع على اختلاف مراتبهم الاجتماعية والاقتصادية، وذلك من خلال إغداق الهدايا عليهم والمراودة لهم بالسكنى إلى غير ذلك مما ذكره المؤلف، فضلا عن العلاقات الاجتماعية وما تسببه حالات الجفاف من صراعات وحروب ونهب…”
يعود الأستاذ مربيه ربه في خضم حديثه عن الكتاب، ليتكلم عن نسخ الرحلة و عمله في تحقيقها و مطابقتها، و في ذلك يقول:
“النسختان اللتان بحوزتي هما بخط نفس الناسخ، كما تقدم، ولهذا كان لا بد من الاستعانة بما تفرق من هذه الرحلة في عدد من المؤلفات الأخرى، مثل “نعت البدايات وتوصيف النهايات” للشيخ ماء العينين؛ “مذكر الموارد” للشيخ محمد تقي الله بن الشيخ ماء العينين؛ “قرة العينين في كرامات شيخنا الشيخ ماء العينين” للشيخ مربيه ربه بن الشيخ ماء العينين؛ “الفواكه في كل حين من كلام شيخنا الشيخ ماء العينين” للشيخ محمد الغيث بن الشيخ ماء العينين؛ “سحر البيان في مناقب شيخنا الشيخ ماء العينين الحسان” للعلامة ماء العينين بن العتيق؛ “مجمع البحرين في مناقب شيخنا الشيخ ماء العينين” للشيخ محمد العاقب بن مايابى؛ “النفحة الاحمدية في بيان الأوقات المحمدية” للشيخ أحمد بن الشمس. وكل هذه الكتب ما زالت مخطوطة باستثناء “نعت البدايات” و “النفحة الأحمدية”.وعليه فقد اعتمدت على النسخة التي بحوزتي وأضفت إليها في الهوامش – ما عثرت عليه في الكتب المذكورة، مع الحفاظ على نص الرحلة، كما هو، في المتن، إلى جانب إدخال النقط والفواصل والعلامات الأخرى في أماكنها المناسبة. ثم قمت بتخريج الآيات القرآنية والأحاديث، ونسبت الأشعار إلى أصحابها قدر المستطاع، كما أشرت إلى أسماء القبائل والأماكن والأعلام معتمدا الاختصار الشديد في ذلك. وقد أضفت عددا من العناوين للمتن وضعتها بين معقوفتين [ ]؛والكلمات الموجودة بين قوسين ( ) في المتن ليست من النص وإنما هي لتوضيح معنى كلمة أو جملة في سياقها .. والنسخة التي بحوزتي لا عنوان لها، فوضعت لها عنوان “الرحلة الحجازية”. وقد وضعت للرحلة تكملة مما دونه نجلا المؤلف نقلا عن والدهما شفويا منه، وهما الشيخ مربيه ربه في كتابه “قرة العينين في كرامات شيخنا الشيخ ماء العينين”، والشيخ محمد الغيث النعمة في كتابه “الفواكه في كل حين من كلام شيخنا الشيخ ماء العينين”، وهي تتمة نقلتها حرفيا من الكتابين المذكورين مع حذف بعض الاستطرادات الخارجة عن موضوع الرحلة التي تنتهي عند عودة المؤلف إلى أهله في الحوض الذي انطلقت منه الرحلة.وقبيل تقديم هذا العمل للمطبعة، زودني الشيخ ماء العينين لارباس بنسخ من عدة رسائل: إحداها من المؤلف إلى والده قبيل رجوعه إلى أهله يشرح فيها بعض أسباب تأخير عودته وبعض مشاهداته وتقصياته أثناء وجوده بالبقاع المقدسة وفي شمالي المغرب؛ والثانية رسالة أرسلت مع المؤلف من عالم عابد ناسك مقيم بمكة المكرمة الى والد المؤلف وهو الشيخ محمد فاضل ابن مامين. فكانت مضامين الرسالتين معلومات إضافية عن الرحلة عملت على إثباتها في محلاتها على هامش النص، والثالثة يشرح فيها المؤلف كيف يحدد أهل مكة مواقيت الصلاة على المذاهب الأربعة، والرابعة عن المسافات بين المدن وأحوال بعض رفاق الرحلة…فما كان من توفيق فمن الله سبحانه وتعالى، وما كان من خطإ أو نقص فمن قصوري… “
و يضيف الأستاذ مربيه ربه أنه اعتمد أيضا على نسخة قدمها له السيد سعدن بن الشيخ محمد ابراهيم و المهندس الشيخ الكبير بن النعمة بن الشيخ محمد ابراهيم.

بطاقة تقنية للكتاب: الرحلة الحجازية
المؤلف: الشيخ ماء العينين
المحقق: ماء العينين مربيه ربه
صورة الغلاف: جانب من بقايا مسجد الشيخ ماء العينين بالسمارة
الإيداع القانوني: 2010MO 2459
ردمك: 0-09-477-9954-978
الطبعة الأولى، المطبعة: مطبعة المعارف الجديدة-الرباط
جميع الحقوق محفوظة للناشر
ساهم في طبع هذا الكتاب: ذ. هيباته بن العبادلة بن الشيخ محمد الاغظف بن الشيخ ماء العينين