
بقلم الشيخ سعدبوه الشيخ عبداتي
توطئة:
إن إشكالية ثنائية الشريعة و الحقيقة من أبرز الإشكاليات الفكرية المطروحة في هذا العصر، والتي يجنحُ أرباب الصوفية إلى بيان أنهم لايعنون بهذه التقسيم دعوة للخروج عن الشرع وحاولوا الإجابة عنها بما يدفع اللبس الموجود عند من يرون أن وضع هذ الفكرة باطلة وأن لا شيء إلا الشريعة وأن ما قابلها فقد خرج عن ماهيتها.
فمن بين هؤلاء وأولئك سأحاول تسليط الضوء من خلال هذا البحث على هذه الإشكالية واضعاَ أمامي ثلاثة أسئلة تمثل في نظري حيٍّزات تلك الإشكالية!!!
1ـ ما هو المعنى الإصطلاحي للشريعة والحقيقة عند الصوفية؟؟
2 ــ ماهي التراتبية المطلوبة بينهما ؟
3 ـ كيف جمع الشيخ ماء العينين بينهما ؟
إن الله سبحانه وتعالى أرسل نبيه صلى الله عليه وسلم بهذا الدين من أجل مراعاة مصالح العباد من خلال جلب المصالح ودفع المضار، فالحكمة من إرسال الرسل هي بيان كل مايسبب للإنسان مصلحة عاجلة وآجلة ويدفع عنه المفسدة العاجلة والآجلة قال تعالى {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وقال {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} ، وجاء هذا الدين بمراتب ثلاث هي الإسلام والإيمان والإحسان ولكل من هذه الثلاثة ما يقابله من ذات الإنسان فمقابل الإسلام الجوارح، ومقابل الإيمان العقل الذي يجزم بأركان الإيمان، ومقابل الإحسان الروح التي تسري منها الأخلاق إلى الجوارح، وتخامرها المشاعر تجاه الله سبحانه وتعالى ونبيه صلى الله عليه وسلم.
وأحيانا يطلق على الدين عدة ألقاب أخرى تمثل جزئية من جزئياته لكنها من باب إطلاق الخاص على العام لبيان أهمية الخاص فعلى سبيل المثال أطلق الإسلام على الدين في قوله تعالى {ومَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} والإسلام ركنٌ من أركان الدين الثلاث وهنا ذكر الجين بإ سمه ، كما أطلق عليه أيضاً إسم الصلاة قال تعالى {قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} قال بن قتيبة أي أدينك[1]
وقال تعالى {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}أي على طريقة وسنة ومنهاج [2]
1ـ ما هو المعنى الإصطلاحي للشريعة والحقيقة عند الصوفية؟؟
إنه من المعلوم أن المقصود بالإصطلاح ما تعارف عليه قومٌ من وضع معنى ما للفظٍ يحتمله بقرينة تصيره هو الأصل عند ذكره ولهذا اختص كل فنٍ بمصطلحاتٍ تعارف عليها أهله، كذلك الصوفية قد اصطلحوا على أن للشريعة والحقيقة معنى غير الموجود عندهم غيرهم وخاصة الفقهاء الذين اصطلحوا على إطلاق الشريعة على الدين الإسلامي ككل.
فالصوفية يقصدون بالشريعة معنى أخص من ذلك ومفهموما أضيق مما قصده الفقهاء، ألا وهو ما كان فيه عمل الجوارح الظاهرة فهذا هو المصطلح عليه بالشريعة، وأما عمل القلب وحده و يُخامر الروح من مشاعر سَموْهَا الحقيقة.
وفي نظري أن الصوفية كانو فيما ذهبوا إليه أقرب إلى إصطلاح القرآن الكريم الذي نلامس فيه هذه المعاني عندما يذكر الشريعة والحقيقة فضميمة إصطلاح القرآن هي التي حدَت بالصوفية إلى هذا الإصطلاح.
فالآيات التي ذكر الله فيها الشريعة هي
ــ قوله {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا} فالذي شرعه الله هو إقامة الدين المتضمنة لإقامة شعائره وذلك لايكون إلا بعمل الجوراح.
ــ {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} والإتباع لابد أن يكون فيه عملٌ بالجوارح.
وأما آيات الحقيقة في القرآن تخاطب القلب والبواطن مخاطبة مباشرة وهذا المعنى هو المقصود من الحقيقة إصطلاحا عند الصوفية فكلمة الحق أحيانا يستعملها في كتابه العزيز من أجل تنبه على معنى يتعلق بالقلب قال تعالى :
ــ { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} أي ماعظموه حق تعظيمه [3] ومعلومٌ أن التعظيم من عبادات القلوب.
ــ {وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } فالمقصود من العلم بالحق هنا هو اليقين التام أي تقطع في قلبها بأن وعد الله حق.
هذا فيما يتعلق بالتعريف الإفرادي لهاتين الكلمتين اللتين صرح علماء التصوف أن الإسلام هو أصل الدين وهذا له فرعان يمكن أن نقسمهما باعتبار كيفية السير على هذا الأصل وهذان الفرعان هما الشريعة والحقيقة فهما ليستا متناقضتين بل يمثلان حقيقة هذا الدين إذ كل واحدة منهما مكملة للأخرى وهذا ما سنلحظه في كتب الصوفية :
قال القشيري ت 465 هــ في رسالته { الشريعة أمر بالتزام العبودية والحقيقة مشاهدة الربوية فَكُل شريعة غَيْر مؤيدة بالحقيقة فغير مقبول وكل حقيقة غَيْر مقيدة بالشريعة فغير محصول فالشريعة جاءت بتكليف الخلق والحقيقة إنباء عَن تصريف الحق، فالشريعة أَن تعبده والحقيقة أَن تشهده والشريعة قيام بِمَا أمر والحقيقة شهود لما قضى وقدر وأخفى وأظهر، سمعت الأستاذ أبا عَلِي الدقاق رحمه اللَّه يَقُول: قَوْله {إِيَّاكَ نَعْبُدُ حفظ الشريعة {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} إقرار بالحقيقة}[4]
ــ قال عبد القادر الجيلاني ت 564 هــ {كل حقيقة لا تشهد لها شريعة فهي زندقة [5]}
النقشبندي: الشريعة ماورد به التكليفُ والحقيقة ما وردَ به التعريف، فالشريعة مؤيدة بالحقيقة والحقيقة مقيَّدة بالشريعة، فمن كل وجه كل شريعة حقيقة وكل حقيقة شريعة وفي عرف القوم فرق بينهما …… الشريعة خطابه وكلامه والحقيقة تصريفه وأحكامه، الشريعة الأمر والنهي والحقيقة ما قضى وما أخفى وما أظهر، الشريعة أن تعبده والحقيقة أن تشهده، الشريعة دعوته والحقيقة تقريبه ومودته ومحبته، الشريعة الكتاب والسنة والحقيقة مشاهدة القهر والمنة.[6]}
ــ قال الشيخ ماء العينين ت 1328هــ في مبصر المتشوف { الشريعة عند القوم متعلقها الجوارح الظاهرة من طهارة وصلاة وصوم وزكاة … والحقيقة متعلقها الباطن من إخلاص ويقين وتوكل وزهد… وليس من مكلف إلا وهو مخاطب بالجميع… الشريعة والحقيقة طريق واحدة ظهر لها فرعان … كل منهما موصل للآخر كما هو شأن الطريقة الحسية}[7]
إذا فالشريعة والحقيقة ليستا إلا أختين كلٌ منهما تجر للأخرى، وتدعو إليها فكمون الحقيقة في الشريعة ككمون الدسم في اللبن، فالصوفية من هذا المنطلق أسسو لكل واحدة من هذين الفرعين فالأول يسمى طريقه بالفقه لأن من لم يتفقه فعبادته عبادة الجاهل فبالفقه تكمل الشريعة وأما الفرع الثاني فيتم بالأوراد فمن لا ورد له لا وارد ونتيجة الأولى العلم والثانية التقى.
وقد شدد الصوفية على المريد في كونهم اشترطوا في الشيخ الذي يعطي الطريقة أن يكون عارفا بالشريعة عالما بالحقيقة قال الشيخ ماء العينين في منتخب التصوف :
واصحب شيخاً عارفٍ طريقا يعلم شرعا عالمٌ تحقيقا
كما اشترطو ان يكون هذا الشيخ عارفا بكل مفاصل الطريقة قد سلكها حتى صار خريتا فيها يقول االشيخ محمد فاضل بن مامين:
أما الدليل فهو ذو رشد عارف شر الطريق خيرها قد يعرف
سلكها حتى امتطى الأحوالا وشاهدَ الجلال والجمالا[8]
بهذا يتحصل معنى المراد عند القوم من هذين المعنين لكن يبقى سؤال آخر يطرح نفسه وهو مالذي المسلم أن يبدأ به الشريعة أم الحقيقة؟ قراءة الفقه أم أخذ الورد ؟ هذا هو ماستناوله في المحور الثاني الذي هو
2 ــ ماهي التراتبية المطلوبة بينهما ؟
إنه كما تقدم لا تعارض بين الشريعة والحقيقة، ولا يوجد حتى أي تباين بينهما بل كلٌ منهما مكمل للآخر وموصل إليه لكن بأي أيهما يبد الطالب؟
إن من تتبع سير النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه يجد أنه كان يركز على هذا القلب كثيرا فيقول { ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت، صلح الجسد كله، وإذا فسدت، فسد الجسد كله، ألا وهي القلب[9]»، فهذا الحديث يبين أهمية المحافظة على القلب وضرورة مراقبته وهذا ما أقسم الله عليه في تنزيله أحد عشر قسماً فقال {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10} فكان الصحابة حريصين كل الحرص على مراقبة القلب وإفراغه من غير خالقه كما نراهم في المقابل محافظين على أخذ الفقه فالنبي صلى الله عليه وسلم قال { من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين [10]} فيمكن أن نقول إن التصوف والفقه كان صنوان متداخلان لا يفرق بينهما فإن قيل الفقه فالتصوف مقصود وإن قيل الخشية والأدب فالفقه حاضر، وهكذا في زمن الخلفاء الراشدين بعد ذلك حصل تحول في بنية المجتمع الإسلامي شكل تباينا في الأساليب اقتضى أن يكون لكل مسلم جانبا من الدين متأثرا به عن الآخر فكان عبد الله ابن عباس وان عمر قد غلب عليهما التفرغ للتعليم ورواية الحديث في حين نرى أبا ذر وحذيفة ابن اليمان اختارا الخلوة بالعبادة وعدم كثرة مخالطة الناس، فمن هنا بدأت العلوم تأخذ اتجاها تخصصيا…..
وفي القرن الثالث بدأ التصوف يظهر في طابع تخصصي لكنه ما زال يحمل مصطلحات معروفة ومعهودة هي الزهد والورع والخوف والرجاء والعزلة…
إلا أنه وقع تمايزٌ بين الفقهاء والصوفية مع تشبث الصوفي للفقه، وتحل الفقيه لأساسيات التصوف وفي هذه المرحلة وقع الخلاف في أيهما يبدأ الطالب، إلى أن ظهرت طائفة من الفقهاء استغنت عن التصوف بحد قولها وقالت إن العلم النافع هي ماتشتغل هي به دون غيرها.
ومن هنا ظهر الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله فخصص لهذه المسئلة كلاما طويلا في مقدمة إحياء علوم الدين فبين أن أخذ التصوف لا محالة عنه وأنه فرض عين إذ به يتطهر القلب من رعوناته قال {وما ذكره الصوفية من فهم خواطر العدو ولمة الملك حق أيضاً ولكن في حق من يتصدى له فإذا كان الغالب أن الإنسان لا ينفك عن دواعي الشر والرياء والحسد فيلزمه أن يتعلم من علم ربع المهلكات ما يرى نفسه محتاجاً إليه وكيف لا يجب عليه وقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثٌ مُهْلِكَاتٌ شُحٌّ مُطَاعٌ وَهَوًى مُتَّبَعٌ وَإِعْجَابُ المرء بنفسه ولا ينفك عنها بشر وبقية ما سنذكره من مذمومات أحوال القلب كالكبر والعجب وأخواتها تتبع هذه الثلاث المهلكات وإزالتها فرض عين ولا يمكن إزالتها إلا بمعرفة حدودها ومعرفة أسبابها ومعرفة علاماتها ومعرفة علاجها فإن من لا يعرف الشر يقع فيه والعلاج هو مقابلة السبب بضده وكيف يمكن دون معرفة السبب والمسبب[11]}
وقد شهدت هذه الإشكالية نقاشات عريضة في القطر الشنقطي، وذلك عندما سأل أحد العلماء وهو ابن حنبل في أبيات ثلاث سؤالا على العلماء عن اشتغال شباب العصر آنذاك بالأوراد عن تحصيل العلم أهذه منة يُحمد عليه أم هي مصيبة في الدين قال:
عنها أجيبوا بأفهام ذكيـــــــــــات | يا خائضين بحور العلم مسئلة |
عن العلوم بأوراد سَنيّــــــــــــات | عن اشتغال شباب العصر قاطبة |
أم هي في ديننا من إحدى المصيبات | أهذه منة في الدين نشكرهـــــــا |
فبادره العلماء بالإجابة على سؤاله وخلاصة ما قالو في جوابهم إن الإنشان لايخلو من أن كون متصفا بإحدى الحالتين:
أ ــ أن يكون صالح النشأة تربى على الإستقامة فهذا عليه أن يقدم العلم قبل التعمق في أمور التصوف.
ب ــ أن يكون فاسدا بطبعه لا يستطيع السيطرة على نفسه فهذا حكمه أن يلجمها بلجامها الذي الدخول في الطريق من أجل صلاح القلب.
ولعل جواب العلامة الشيخ محمد العاقب بن ميابى أكثر تفصيلا وإيضاحا ولذلك سنجلبه للإفادة:
والقلب في الصدر مصباح بمشكــــاة | العلم نورٌ وقلب الحبر مطلعهُ |
وذم قلبا بلا صقلٍ ومــــــــــــــــــرآة | والورد للقلب مرآةٌ ومصقلةٌ |
فالعلم في حقه أحرى المهمــــــــــــات | فمن تكن صلحت بالروض مضغته |
وكم شفا الورد من داء وعـــــــــــلات | وإن تكن فسدت فالورد مرهمها |
به أخا ثقة سباق غايــــــــــــــــــــــات | قال الغزالي في إحيائه وكفى |
يطهر القلب من رجس الرعونـــــــات | أولى الوظائف من رام التعلم أن |
وتلك في القلب من أدهى المصيبــــات | والفقه قحا تقسي القلب كثرته |
يجد لمنهج الفسوق من محاشــــــــــاة | ومن يحاشي إلى الفقه التصوف لم |
ـغرض المقصود والعمل المقصود بالذات | والعلم للخير هادٍ وهو للــــــــــــ |
لم يخلقـــــــا قبل إلا للعبـــــــــــــــــادات | فالجن والإنس جل الله عن غرض |
كسب وما الدرس من كسب المقامـــات | وللمقامات بالأوراد فاسع لها |
ثهُ العليم سبحانه علم الخفيــــــــــــــات | ومن يكن عاملاَ بالعلم ور |
مالت وأخرى إلى علم الروايــــــــــات | قال السمرقنديُ للأعمال طائفة |
لنفسه قبل جلب النفع للنــــــــــــــــــات | والمرأ يدأب في تحصيل منفعة |
علم بلا اقتداء سبع مــــــــــــــــــرات | وبلٌ لذي جهل قالو مرة ولذي |
فقال ما انتفعنا إلا من ركيعــــــــــات | قد ريئ طيف ابن قاسم ببرزخه |
تضييعه العمر في حل العويصات | ومن معاصره ليم الإمام على |
رضى الإله وكان وعدهُ مــــــــــاتي | فقال كلٌ على هدى وموعدنا |
على تولي الفتاوي والحكومــــــــات | ثم انتهى نادما وقال يا أسفى |
ــر الله إلاهُ من أوهى المقـــــــالات | وقولهم قد أبى العلم المراد لغيـــ |
أوحى الإله من الآي الكريمــــــات | مزية قصرت على الحديث وما |
صدعٌ وجذبٌ لقلب المغشمم العاتي | فالوحي قول ثقيل والحديث له |
للعلم تطلابه تضييع أوقــــــــــات | {كَنُونُ} رب غبيٍ من بلادته |
ــكنتي عن جاهل علم الضروريات | وفي نوازله أجاب إذ سئل الــ |
شياخ إذهي مفتاح الفتوحــــــــات | نعم يجوز له دخول سلسلة الأ |
من العلوم فمن أصل الضـــلالات | أما التبتل قبل سد جوعتــــه |
كالضب والنون بل جمعُ ضرات | لا تحسب العلم والأوراد جمعهما |
مسافة العمر من يومٍ وليـــلات | فالحزم أن يُقسم المريد بينهما |
ءُ الله إلا جهولٌ ذو خُرافــــــات | لا يترك الورد قال التاجُ نجلُ عطا |
وقد أناخ بحضرة المصـــافات | علام لايترك الجنيدُ سبحته |
عوجا وماكان عمن هوى بمفتات | هذا وماكان وردُ القوم ترهة |
أبٌ ونحن له أبناء عِـــــلات | لنا مشايخُ في الأوراد كلهم |
ثبتٍ وما احتاج حالقٌ لمرساة | توارثوا الورد كل عن أخي ثقة |
في الدين عن قادة للخير أثبات | عن جلة في العلوم عن جهابذة |
قصد السبيل كمن يقرو البنيات | إلى الجنيد وليس من يسير على |
عنها أجبنا بأفهامٍ ذكيـــــــــات | فهاك في البحر والروي مسألة |
غدا ومن فتن الدنيا المضلات | نعوذ بالله من إدحاض حجتنا |
وبعد هذا التقعيد للشريعة والحقيقة سنحاول إسقاطهما على شخصية صوفية من أجل أن نرى كيف يُجمعان تأسيا بالقرآن الكريم الذي قص علينا قصص الأنياء من أجل ان نرى النموذج الأعلى للتطبيق أحكام الله فنحذو حذوها، وسنختار شخصية الشيخ ماء العينين الذي جمع بين الشريعة والحقيقة جمعاَ أعطى فيه كل ما بوسعه ولم يقصر في كل واحدٍ منهما.
3 ـ كيف جمع الشيخ ماء العينين بينهما ؟
سنحاول من خلال هذا المحور أن نعطي صورة مكتلمة عن تجاذب الشريعة والحقيقة عند الشيخ ماء العينين وسنقسمه إلى فرعينك
أ ــ الفرع الأول : الشيخ ماء العينين في مرحلة الطلب : في هذه المرحلة كان شيخنا الشيخ ماء العينين عند والده شيخنا الشيخ محمد فاضل بن مامين الذي كان عالما كبيراً من علماء المسلمين وشيخنا مربيا ألقت إليه التربية في عصا التسيار بل جمع بين الشريعة والحقيقة جمعاَ جعل أكثر العلماء في زمنه يقصدونه لذلك ولنعطي الشيخ محمد العاقب بن الشيخ سيدي عبد الله بن مايابى القلم ليصف لنا واقع ذلك الزمن { لما دعاني مناد الجِد والسعادة بسان الحال حي الإستفادة، وتشوفت إلى إقتطاف ثمار العلوم المستفادة، والآداب المجتاذة، وإلى التجرد إلى أخص العبادة، والإنتماء إلى أهل السيادة، علمتُ أني لابد لي من شيخٍ ناصح ذي برهان واضح، فجعلتُ أقدم رِجلاً وأوخر أخرى، وانظر إلى من هو في الجمع بين االحقيقة ولشريعة أدرى، على أني علمتُ أن طريق القومِ لا تؤخذ إلا من حِفاظها ولا تُطلبُ إلا في سوق عُكاظها، وماهم في هذه الأرضين إلا أهل شيخنا الشيخ محمد فاضل ولد مامين}[12]
إن هذا النص يعطينا بصمة عن مكانة شيخنا الشيخ محمد فاضل العلمية والروحية[13]وعن الجو الذي تربى فيه شيخنا الشيخ ماء العينين وكان أولُ ما بدأ به هو القرآن الكريم ثم قرأ مبادئ العلوم أي فرضه عينه والمتون الصغار وبعد ذلك أخذ الطريقة ولازم الأوراد فكان لا ينتهي من ورد إلا دخل في آخر وحُبب إليه الخلاء فكان كالغريب عند أهله وربما نام في الخلاء فنهاهُ وأمره أن لا يبيت إلا في المحلة ةبقى على هذا الحال حتى فاجئه الجذب الإلهي فجُذب كبيراَ حينها أمره والده وشيخه بالإشتغال بالعلم وأن يستعمل الجذ في تحصيل العلم فبدأ يقرأ أمهات المتون فقرأ كثيرا من الكتب في وقت وجيز يقولُ إبنه العلامة الشيخ محمد تقي الله :
باطنها الخفي وما منها ظهر | وقد تعلم العلوم في صغـر |
عشرين قفا بين كل البشـــــر | وكان يحفظ من المختصر |
بأربعين دائماَ وفســـــــــــرا | ولخلاصة ابن مالك قـــرا |
بان جليلان كما قد وُصفـــــأ | ومعهُ نورُ الأقاحٍ وكـــــا |
درسه ُ في اليوم أو كاليوم | وما سواهُ هذا من العلوم |
وأما تجربته في السعي إلى كمال الحقيقة فبعد أن بايع والده أسلمهُ نفسه، فانشرح صدره لكلما ما نزلَ منهُ وكان كثير الصوم لا يفطر إلا عن ضررٍ كبير، ولا يمكث لحظة وعليه حدث، ولا يأكل إلا عند من يتورعُ في تكسبه، وكان للنفس لا يسمحُ لها بالغفلة طرفة عين، فهو مراقب لله ينظرُ وجلٌ خائفٌ منه في كل حين.
قال إبنه الشيخ محمد تقي الله:
من علم العلوم العلوم ثم عملا | الأول قد خاض الطريقة على |
وهو شيخُه أبوه العــــــــارف | شيخٌ بميزان الطريقٍ عارفُ |
مع انشراحه لما منه نــــــــــزل | أسلمه النفس فماشاء فــــعل |
يذهب حيث شاء لما أكملــــــــه | ولم يزل معه إلى أن أرسله |
إلا من اجل ضررٍ قد يكثــــــرُ | وزمن السلوك ليس يفطـــرُ |
لحظة عينٍ وعليه حــــــــدَثُ | ومع ذاك كان ما إن يمكثُ |
مقدمات الإضطرار جـــــــــــدا | وكان لا يأكلُ إلا عنـــــــدا |
فعن طعامه له تـــــــــــــــورعُ | من لاله في الاكتساب ورع |
بين حلالــــــــه من الحــــــرام | والآن يعلم من الطعـــــــــام |
وأولاَ يبحَثُ عن معدنــــــــــــه | بشَمه أو طعمه أو لونــــــه |
عن الكريم في أقل لحظــــــــة | ولم يسامح نفسه بالغفلــــة |
بمعزلٍ عن كل ما قد يهـــــوى | بل راقب الرب الجليل فهوا |
وبعد ه هذا التكوين الذي شهده شيخنا الشيخ ماء العينين في كلا الطريقتين قدمه والده وشيخه فألبسه الخرقة وأعطاهُ عمامة التربية فبدأت الفتوحات من كل تتوالى عيله فجذبه الجذب الأكبر فصار عالما بمنزع كل حديثٍ للنبي صلى الله عليه وسلم أصل كل فرع من فروع الشرع بل عارفا إسناد كل قول إلى حضرة إسم من أسمائه جل وعلا فنال المرتبية العظيمة وتقطب على الأولياء فقصده الخاصة قبل العامة للأخذ عنه فتتلمذ عليه خلقٌ كثير منهم من يريد علوم الظاهر كالقرآن والحديث والفقه والأصول والسيرة والمنطق واللغة بنحوها وصرفها وبلاغتها وكذلك علم الأنساب وعلم الحساب…..
كما قصدته فئة أخرى لعلم التصوف وتزكية النفوس والتربية، فكان قطب رَحى هذه العلوم وشمس ضُحاها رحمه الله فأسس زاويته التي احتضنت كل هؤلاء الرواد من كل حدب وصوب فكانت زاوية العلم والعبادة زاوية الصَلاة والصِلات، زاوية الإخلاص والخلاص، زاوية التنافس في طلب العلى يقول الشيخ محمد العاقب بن مايابى في وصف هذه الزاوية في قصيدته التي مطلعها :
سقى دهرك المجدوب صوب الغمائم | ألا عم صباحا ربع مي الأعم |
إلى أن قال متخلصا:
ولذاتها إلا كأحلام نـــــــــــائم | فلا تحسب الدنيا وإن طاب طيبها |
لحضرة ما لعينين قطب العوالم | فمن لي من الجنيا بحسن تخلـــص |
وحيث يرى كيف اصطناعُ المكارم | بحيث يرى كيف التنافس في العلى |
ويمحى عن العاصي خضابُ المآثم | وحيث ترد النفس عن جمحاتهــــا |
وخوف الإله واجتناب المحــــــارم | وحيث يرى درس العلوم ونشرها |
وطاوي الحوايا كالهلال وصــــائم | ةحيث ترى الفتيان ما بين ناســك |
وداعٍ بدأداء الظلام وقــــــــــــــائم | وقارٍ أفانين العلوم ومُقـــــــــرئٍ |
وباكٍ عليها بالدموع السواجــــــــم | وآس على آثامه متـــــــــــــأسف |
وباقٍ وولهان الفؤاد وهــــــــــائم | وفانٍ بذات الله عن حركاتــــــــه |
ويُصرى عن المهموم عبء الهماهم | هنالك يُقضى للمؤمل ما رجــــــا |
على جنببات الشيخ جمعُ المواســـم | ترى حلق الأذكار لفوضى كأنـــها |
هكذا جمع شيخنا الشيخ ماء العينين بين الشريعة والحقيقة ذينك الفرعين الموصلين لأصل واحد هو الدين الذي شرعه الله لنا لكي نعبده بما جاءنا عن طريق النبي صلى الله عليه وسلم، هكذا عاش شيخنا الشيخ ماء العينين حياته تلك الحياة التي خدم من خلالها أمته وبيّن لها كيف تستعد مجدها وحضاراتها، فأجريت على يده أنهار الحقيقة والشريعة فنلقى على روحه السلام ةنتمثل قول محمد عبد الله بن زيدان حين قال له:
ويـــأخذُ من قلب المحيـــا المــآخذا | سلامٌ يلوك المسك ضرسا وناجذا |
وديماس أدموس النفوس شعـــاوذا | إلى حضرة اللاهوت ناموس سره |
فغيراَ وحكم الله أليل نافــــــــــــــذا | إذا خلته منا فمنا وغيرنــــــــــــا |
بقـــــــــــاءٌ ولا البقاءُ هذا وذاك ذا | فلا جمعه يُنسيه فرقاَ ولا الفنــــا |
على الباب كالمصفود بالحبل آخذا | حنانيكَ يا هادي الصراطين إنني |
طريدَ خطيئات عن الباب لائـــــذا | وحاشاك أن ترضى من الله طردَهُ |
ومن نوَّر الله قلبه فالإشارة تكفيه………..
[1] غريب القرآن لابن قتيبة المؤلف: أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (المتوفى: 276هـ) المحقق: سعيد اللحام الصفحة 180.
[2] جامع البيان في تأويل القرآن المؤلف: محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310هـ)
المحقق: أحمد محمد شاكر الناشر: مؤسسة الرسالة الطبعة: الأولى، 1420 هـ – 2000 م عدد الأجزاء: 24 الجزء 22 الصفحة 70.
[3] كما فسرها به السدي تفسير ابن كثير الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع الطبعة: الثانية 1420هـ – 1999 م عدد الأجزاء: 8 الجزء 7 صفحة 118.
[4]الرسالة القشيرية المؤلف: عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك القشيري (المتوفى: 465هـ) تحقيق: الإمام الدكتور عبد الحليم محمود، الدكتور محمود بن الشريف الناشر: دار المعارف، القاهرة عدد الأجزاء: 2 الجزء 1 صفحة 195.
[5] الفتح الرباني للشيخ عبد القادر طبعة دار الكتب العلمية
جامع الأصول في الأولياء الطرق الصوفية مؤسسة الإنتشار العربي تحقيق : أدب نصر الله الجزء 4 الصفحة 59.[6]
[7] مبصر المتشوف على منتخب التصوف طبعة دار يوسف بن تاشفين مراجعة وتصحيح محمد فاضل بن الشيخ حسن عدد الأجزاء 1 الصفحة 451.
[8] نظم مطية المجد مخطوط بحوزتي نسخة منه.
[9] صحيح مسلم حديث رقم 1599
[10] متفق عليه
[11] إحياء علوم الدين المؤلف: أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي (المتوفى: 505هـ) الناشر: دار المعرفة – بيروت عدد الأجزاء: 4 الجزء 1 الصفحة 15.
[12] مجمع البحرين مخطوط في حوزتي نسخة منه
[13] عندي مقال تحت عنوان المكانة العلمية والروحية لشيخنا الشيخ محمد فاضل بن مامين فصلتُ فيه كثيرا