
كان الشيخ محمد الإمام بن الشيخ ماءالعينين على اطلاع واسع و ثقافة عالية، مهتما بالشأن الإسلامي حاملا لهم الأمة الإسلامية، التي أضحت في نهايات القرن التاسع عشر و النصف الأول من القرن العشرين تحت وطأة الاستعمار و التشرذم، و قسمة بين الدول الغربية الكبرى، رغم بوادر التحرر و الاستقلال التي حملتها نتائج الحرب العالمية الأولى ، في هذه الرسالة الداخلية بين الشيخ و الفقيه العلامة سيدي محمد بن عبد العزيز حامن نلمس جليا هذا الحرص المتبادل بين الشيخين على الاهتمام بواقع الأمة و الفرح بانتصاراتها.،يقول الشيخ محمد الإمام في رسالته ” وأما خبر الناحية الشرقية فقد سمعنا من خبرها ما يسر المسلمين، ولله الحمد، من استقلال دول متعددة من المسلمين، وهي دولة الحجاز، ودولة الأفغان، ودولة اليمن، ودولة العراق أيضا، فإنها استقلت استقلالا تاما ولله الحمد، ودولة الترك، ولم يزالوا على إسلامهم، مع أن كلاما يقال في بعض جمهوريتهم من غير أن يدعوا العامة إليه ولله الحمد”، و هو يقصد بدولة الحجاز مملكة السعودية في طورها التأسيسي الثاني بقيادة الملك عبد العزيز( 1932 سنة اعلان مملكة السعودية)، و يقصد بدولة اليمن قيام الإمامة المتوكلية على يد الإمام يحيى عبد الحميد، و يقصد بدولة الأفغان مملكة افغانستان التي استعادت استقلالها بعيد الحرب العالمية الأولى، و يقصد باستقلال العراق و قيام المملكة الهاشمية على يد فيصل بن الشريف حسين، و يقصد بالترك الجمهورية التركية بقيادة كمال أتاتورك و الذي أعلن علمانية الدولة ( أشار لها الشيخ بقوله مع أن كلاما يقال في بعض جمهوريتهم…).
علاوة على الشأن السياسي، تظهر الرسالة اهتمام الشيخين كذلك بالمستجد في أمور الكتب و الفقه و مطالعتها، بقوله “وهذا كتاب يشرح مراقي السعود، يصلكم لازلتم من مرقى إلى مرقى نعم، وبهامشه نيل السؤل على مرتقى الوصول، وأما الكتاب الذي في التعريف بدول المسلمين الآن وسلاطينهم وسيرتهم، فقد وجدني الحال مشتغلا في مطالعتي إياه، وحيث فرغت منه فإن أحببته أبعثه لك حتى تطالعه إن شاء الله تعالى“

تخريج الرسالة كاملة:
الحمد لله وحده
وصلى الله على نبينا محمد وآله.
علم الأعلام، بدر التمام، بحر المكارم، نبراس الأكارم، من شهد له بالفضل الخاص والعام، واندرجت فيه المحامد اندراج الأسابيع والشهور في العام، الفقيه الأمثل الأنجد، الشاعر الناظم الناثر الشيخ الأستاذ سيدي:محمد بن عبد العزيز، الذي أجلسه الله بين الخلق على منصة العدل والتبريز، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته أما بعد، فقد وافاناكتابكم الرائق بما أهلتمونا له من محاسن أخلاقكم وحسن ظنكم، الذي من مضمونه التهنئة بقدومنا، والتعزية بمن يشهد لها بالخير الديني والدنيوي،فالله يجازيكم عنا بخير الدنيا والآخرة، ويكون لنا ولكم، ففي الله خلف من كل شيء، فنسأله تعالى أن يسد تلك الثلمة بفضله، فوالله إنا لنعلم أنه ليسركم ما يسرنا ويسوؤكم ما يسوؤنا.
وأما خبر الناحية الشرقية فقد سمعنا من خبرها ما يسر المسلمين، ولله الحمد، من استقلال دول متعددة من المسلمين، وهي دولة الحجاز، ودولة الأفغان، ودولة اليمن، ودولة العراق أيضا، فإنها استقلت استقلالا تاما ولله الحمد، ودولة الترك، ولم يزالوا على إسلامهم، مع أن كلاما يقال في بعض جمهوريتهم من غير أن يدعوا العامة إليه ولله الحمد.
وهنالك دول أخر، وعندي كتاب برز هذه الأيام أتى من تلك الناحية، يذكر فيه تلك الدول، ويسمي كل سلطان، ويأتي بصورته، ويذكر حدود بلاده، وكم فيها من إنسان، ويذكر سيرته، وقال فيه إن قصده التعارف بين المسلمين ولله الحمد.
وهذا كتاب يشرح مراقي السعود([1]) يصلكم لازلتم من مرقى إلى مرقى نعم، وبهامشه نيل السؤل على مرتقى الوصول([2]).
وأما الكتاب الذي في التعريف بدول المسلمين الآن وسلاطينهم وسيرتهم، فقد وجدني الحال مشتغلا في مطالعتي إياه، وحيث فرغت منه فإن أحببته أبعثه لك حتى تطالعه إن شاء الله تعالى.
وإن كان لك الغرض في مطالعة بعض الكتب التي في يدي فمرحبا وأهلا.
هذا وإننا تكلم لنا الحامل في التوجه لسيادتكم في شأن بنيتنا أخديجتن، ولا يخفى على سيادتكم ما فيه من صلة الرحم، فإن فيه ما في شاة العيد، ومثلكم لا يحتاج التأكيد، والسلام.
رابع ذي الحجة الحرام عام 1353ه([3]).
أخوكم محمد الإمام بن شيخه الشيخ ماء العينين وفقه الله.
بالتمام
على المحبة الدائمة والسلام.
[1] ) مراقي السعود هو النظم المشهور في أصول الفقه للشيخ سيدي عبد الله والحاج إبراهيم العلوي المتوفى سنة: 1235هـ
[2] ) نيل السول على مرتقى الأصول” للعلامة الفقيه القاضي محمد يحيى الولاتي المولود 1845م، والمتوفي 1912 م في ولاته.
أما مرتقى الوصول فهو نظم مشهور في أصول الفقه لابن عاصم الغرناطي المتوفى سنة: 821هـ
[3] ) يوافق: 10/مارس/ 1935م 443″:{“supports_