
د- ماء العينين النعمة علي
جامعة ابن زهر- اكادير
هو الأديب والعالم والشاعر والولي ” السخي المفيد العالم السديد الوفي الأريحي الصفي الأعز الأطهر الأكرم الأشهر الأبر الأسعد الأكمل الأصعد”[1] محمد عبد الوهاب الملقب بالشيخ عبداتي بن الشيخ ماء العينين بن الشيخ محمد فاضل بن الشيخ مامين. وأمه هي السيدة الفاضلة مليكة بنت محمد بن الدرج من قبيلة العروسيين. ولد في شهر رمضان عام واحد بعد ثلاثمائة وألف 1301هـ/يونيو1884م وبدأ دراسته بقراءة القرآن الكريم على الفقيه الكبير الشيخ الحضرام ابن الشيخ محمد الأمين ولما أتمه قرأ كثيرا من العلوم من فقه وأصول وحديث ونحو وبلاغة وعروض وسيرة وشعر على والده الشيخ ماء العينين وأجازه فيها وأمره بالتدريس والتأليف.وكان بارعا في الحديث والفقه وبلغ فيهما درجة كبيرة لم يبلغها أحد من معاصريه.وهذا ما يؤكده الشيخ محمد الغيث النعمة ابن الشيخ ماء العينين قائلا:” وله مشاركة حسنة في غالب العلوم واستحضار لما يعلمه من الفهوم لاسيما الحديث والفقه فإن له فيهما المعرفة الجليلة والدراية الأثيلة”[2]. وكان شاعرا مفلقا مجيدا نظم جل أشعاره في مدح والده الشيخ ماء العينين.
يقول في بعضها:
وليس من شغل عنكم أراه هنـــــــــا | إلا امتداح لشيخي الوابل المطـــــــــــــر |
ذا شيخنا الشيخ ما العينين نخبة مـــن | ينمى إلى ذروة الأشراف من مضـــــــر |
من أين للشمس تشبيه بطلعتـــــــــــــــــه | وأين للبحر تجواد بمنهمـــــــــــــــــــــر |
وإنما فضله نار على علم | يراه ذو بصر وغير ذي بصـــــــــــــــر |
لله لله ما أبديت من همــــــــــــــــــــــــــم | لله لله ما شيدت من جــــــــــــــــــــــــدر |
لله لله ما علمت من خـــــــــــــــــــــــــلق | أفاضل الناس من بدو ومن حضــــــــــر |
فشاهدوا من جمال الذات ما عجــــــــزت | عنه الإشارة بل تاهوا من السكــــــــــــر |
حتى إذا شربوا خمر الوداد بقــــــــــــــوا | في حضرة القدس مجبورين بالبشـــــر |
لازلت لازلت في أمن وعافيـــــــــــــــــة | يؤوب كل البرايا منك بالظفــــــــــــــــر |
تنيلهم من علوم الفيض مترعــــــــــــــــة | تسقي بلا سقم كلا ولا ضجــــــــــــــر[3] |
وكان” يقربه ويرسله نائبا عنه إلى وجوه القبائل فيظهر في الأمر نجاحه ويتبين للناس إصلاحه “[4] وكان يقول:” إذا حدثني ابني محمد عبد الوهاب بأمر ثبت عندي لا أبالي بمن حدثني بخلافه “[5] لأنه ” كان شديد التحري للصدق حتى كاد أنه لا ينطق إلا بالحق”[6] .وكان من أكابر الأولياء الزاهدين و” الصلحاء الموفقين والنصحاء المتصدقين ذا عبادة كثيرة لا تجده إلا مستيقظ القلب مستحضر الرب وكان ذا يقين ووثوق بالله وتوكل عليه في جميع أموره وكان ذا كرم وسخاء وإكرام للأضياف والجيران وكان مليح الخطاب والكلام محببا عند الخاص والعام وكان ذا أسرار وحكم ودعوة مستجابة وكان متواضعا مع ما أعطاه الله من جلالة القدر فكان يخدم الأضياف بنفسه ولا يقبل أحدا من أتباعه يتولى ذلك عنه.وكان كثير المباسطة والبشر في وجوه الناس مع السكينة والوقار وكان مصاحبا بالقبول والتسخير لا يتوجه لأمر إلا يسره الله عليه وله كرامات كثيرة عند من يعرفه شهيرة وكان أمره في الكشف من العجب العجاب فكان ينظر المغيبات بغير حجاب “.[7]
في سنة1909م انتقل مع والده الشيخ ماء العينين من مدينة السمارة إلى مدينة تيزنيت وبعد وفاته سنة 1910م وتولي ابنه الشيخ أحمد الهيبة زعامة حركة الجهاد ضد المستعمر الفرنسي سنة 1912م شارك فيها وخاض معه معارك من أشهرها معركة سيدي بوعثمان الشهيرة وبعد رجوعه إلى سوس توجه الشيخ عبداتي إلى مدينة طانطان واستقر بها ” وأدمن على تلاوة القرآن الكريم وعلى مداومة سائر العبادات في كل آن وأحسن كل الإحسان على الزوار والجيران فعظم صيته وارتفع ذكره في تلك البلدان وانتفع ببركته كل قاص ودان فلم يبرح حسن الشمائل والسير محافظا على قضاء حوائج البشر فيما هو فيه من كمال اليقين والقيام بأمور الدنيا والدين”[8] حتى توفي رحمه الله ورضي عنه وأرضاه، بعد ظهر يوم الأربعاء الثالث والعشرين من شهر رمضان عام ثمانية وستين بعد ثلاثمائة وألف 1368هـ/20 يونيو 1949م ودفن بالموضع الذي توفي فيه.

خلف مؤلفات متعددة منها: كتاب في الفقه ” حسن جمع فيه فوائد عديدة وغرائب مفيدة “[9] وكتاب آخر شرح فيه نظم والده الشيخ ماء العينين المسمى كفاية النبيه في فرض العين ” شرحا حسنا مفصلا وافيا بالمقصود”[10] بالإضافة إلى ديوانه الشعري في مختلف الأغراض الشعرية.
قال فيه الشيخ محمد الغيث النعمة :” مجمع الألباء
نحرير الفضلاء الألمعي الأنبل الخضرم الأفضل السيد محمد عبد الوهاب الملقب
عبداتي.كان من أذكياء النبلاء وكرام سادات الأسخياء له عبادة وأحوال في بعض
الأوقات عجيبة وأخبار بالمغيبات ومكاشفات غريبة وكان شديد الورع والتنزه عما لا
ينبغي وله اعتماد وتوكل على الله وكان كثير التحبب والتودد للإخوان والجيران شديد
الإكرام والاعتناء بالضيفان. وبالجملة فمناقبه لا تحيط بها الطروس ولا تملها
النفوس.”[11]
[1] – ” إفادة الأقربين في التعريف بذرية شيخنا الشيخ ماء العينين”، ماء العينين بن الحضرام، مخطوط،، مكتبة الأستاذ ماء العينين علي ابن الشيخ مربيه ربه، تيزنيت، ص،51.
[2] – “الأبحر المعينية في بعض الأمداح المعينية “، الشيخ محمد الغيث النعمة ابن الشيخ ماء العينين، رسالة دبلوم الدراسات العليا، تحقيق الدكتور أحمد مفدي تحت إشراف الدكتور عباس الجراري، الجزء الأول ، مرقونة بمكتبة كلية الآداب والعلوم الإنسانية، فاس، السنة 1975 / 1976،ص 135.
[3] – “المصدر نفسه “، ص،138/139.
[4] – ” سحر البيان في مناقب شيخنا الشيخ ماء العينين الحسان “، ماء العينين بن العتيق،مخطوط، مكتبة الأستاذ ماء العينين علي ابن الشيخ مربيه ربه، تيزنيت،ص،124.
[5] – “الأبحر المعينية في بعض الأمداح المعينية “، ص،135.
[6] – المصدر نفسه،ص 135.
[7] – ” سحر البيان في مناقب شيخنا الشيخ ماء العينين الحسان “، ص،124.
[8] – ” المصدر نفسه “،ص،124.
[9] – “الأبحر المعينية في بعض الأمداح المعينية،ص،137.
[10] – ” سحر البيان في مناقب شيخنا الشيخ ماء العينين الحسان “،ص،124.
[11] – “الأبحر المعينية في بعض الأمداح المعينية،ص،135.