
للباحث فيصل بلميسي*
تعد الوثيقة المعتمد والمستند الأساس بالنسبة للمؤرخ في كتابته التاريخية، باعتبارها شاهدا وحجة على أحداث الماضي، و هي بالتالي منطلقا لاستنباط المادة التاريخية و قراءتها على النحو الذي يريده المؤرخ.
من زاوية أخرى، ترى السلطة الحاكمة في الوثيقة التاريخية شيئا آخر غير الذي يريده المؤرخ نفسه، فالسلطان على حد تعبير عبد الرحمان المودن في عمله المونوغرافي حول إناون لم يكن يحكم بواسطة القائد والجابي والجندي والشريف فحسب، بل يحكم أيضا بواسطة الرسائل والظهائر، ولعله الأمر المفسر لمحاكاة أحمد الهيبة في رسالته لقبيلة تنانة هاته حين ختمها بخاتمه الذي حاول على مستوى شكله محاكاة الخاتم السلطاني، بعد أن تولى أمر الجنوب وقاد الحركات الجهادية بعد بيعته أميرا للجهاد، كإجراء فرضته الظرفية الحربية الطارئة والحاجة الملحة لبديل يملأ الفراغ الذي تركه المخزن في ناحية سوس على الرغم مما أثاره ذلك من حفيظة السلطة المركزية. فكانت المراسلات وسيلة من وسائل إثبات وجوده في القطر الجنوبي ومظهر من مظاهر تأكيد نفوذه بتلك الناحية، وأسلوبا لممارسة سلطته بشكل أو بآخر. وبالتالي فهي لا تعكس فقط جانب من جوانب المقاومة المغربية بالجنوب المغربي بقدر ما تعطي دلالات واضحة عن مدى قدرة أبناء ماء العينين على تحقيق التفاف قبائل الجنوب حولهم، ومدى انكماش وتقلص نفوذ السلطة المركزية في محيطها السوسي في ظل التدخل الأجنبي وبسط سيطرته على ربوع البلاد المغربية.

تخريج المخطوط:
خدامنا المرضيين المجاهدين قبيلة بني تنانة كافة رعاكم الله وأعانكم وعليكم سلام الله والرحمة والبركة يلازمكم الجميع في السكون والحركة بموجبه إعلامكم اننا قد أحلنا مجازاتكم على الله فيما سمعناه عنكم من كمال الوقوف وفي بقائكم على العهد الذي بيننا وبينكم وتعاضدكم مع جيرانكم وتشميركم عن ساعد الجد في ذلك حفظتم هنا وهنالك فدوموا على عملكم وتيقنوا وأننا غير غافلين على الدعاء لكم عن ظهر غيب آناء الليل وأطراف النهار ولا يخفاكم ما وقع في أعداء الله ورسوله من التلاشي وقد اجتمع في هذه الناحية في هذا الابان من جنود الله ما فيه نكاية اعدائه لله الحمد والمنة وعن قريب بحول الله وقوته تاتيكم اعانكم الله ورعاكم ولا خيب مسعاكم بالتمام والسلام في شعبان عام 1334.
*باحث جامعي، ابن زهر أكادير