
نظم ممتع في تسلسله، زاخر بحمولته الصوفية التربوية. افتتحه بالصلاة على النبي الأكمل، تلتها موعظة للنفس، تحثّها على الاستغفار وترك الذنوب. وصدره حديث عن حال الاعتصام بالواسطة، أي بشيخٍ يداوي بالإرشاد والتسديد، ويربّي المريد على الترقي في الظاهر والباطن، وينقله من حالٍ إلى حال حتى يفنى فيه، ويشهد وراثة الأتباع بلا ابتداع.
أول الفيض توضيح طريف لأنواع الذنوب، حين تحدّث عن المعروف منها، وهي ذنوب الكفر، والصغائر، والكبائر… إلا أنه، في إشارات صوفية دقيقة، لامس أنواعًا أخرى لا يعرفها إلا أهل الخاصة، ممّن تضلّعوا في أحوال النفوس. فعدّ التعبّد لغير غرض ذنبًا، واعتبر عدم الحضور، ورؤية القلب لغير الله، وغياب الشهود في كل حين، من الذنوب كذلك. ويستشهد شيخنا بكلام الشيخ ماء العينين في كتابه الكبريت الأحمر عن “عدم التعبير عن الشهود”…
وبهذا الاستشهاد، ينتقل الناظم إلى الجزء الثاني من نظمه، متحدثًا عن ضرورة الاعتماد على واسطة، مؤكّدًا أن المبتغى لا يُنال من دون شيخ مربٍ، جعل القوم وجوده شرطًا لا بد منه، فهو الذي يسدّد وينصح ويداوي ويرشد ويزجر ويختار… مذكرًا ببعض خطوات الشيطان التي تراود المريد، كالارتياب وذهول الخاطر، وهي أمراض دواؤها التواضع والامتثال لطريق الشيخ. فإن ارتقى به ومعه، غدا رفيقًا بل صديقًا، وكانت مرتبة الوصول الفناءَ في شخصه، فإذا حصل ذلك، فقد وصل المريد إلى الرب.
يمضي بنا الشيخ في بحر نظمه الزاخر بآداب المربي وأحوال المريد، حتى يبلغ مقصد التجديد في التربية والدين. فالعلم محفوظ، يتدفّق من علماء هم ورثة الأنبياء، وشيوخ يُقتدى بهم على الطاعة، بنصٍّ يتأكّد، وبالمعجزات والكرامات يُعرف الأولياء كما الأنبياء. وهو سلوكٌ من النبي، صلوات الله وسلامه عليه، اكتمل، بيّنه الشرع، وعليه استُند، يعقبه الشيوخ في توجيه الأتباع إلى طريقٍ فضلى، كطريقة الشيخ محمد الأغظف، بما حباه الله من كثرة الأتباع وعظيم الانتفاع، إذ تجمعهم لطائف سيرته، وتربيته، ومكارم أخلاقه، وشمائله، التي أوردها الشيخ الفضيل تباعًا، فأودع فيها جميل الثناء على عمه.
ختم الشيخ نظمه بالعودة إلى النفس، فتزكيتها مطلب المريد، وغاية الشيخ، فجدد الدعوة لها بالتوبة، والتمسك بالعروة الوثقى، والاستماع لما قاله وكتبه في نظمه الذي سماه: “عمدة الطريق للشيخ والمريد بالتحقيق”. وكان آخر الحديث صلاة على الحبيب، ودعاء للشيخ أحمد الهيبة، مع الإشارة إلى تاريخ الانتهاء منه بقوله: “فاتح عام ولسشن وتمم بيوم جمعة محرم”، ويقصد بذلك عام 1334هـ.
بقلم: ماء العينين بوية