
توطئة
تقديم دراسة عن الشيخ ماءالعينين لن تكون ذات جدوى و أكثر نفعا إن لم يعمل الباحث على تفكيك النص المنتج من طرف الشيخ المؤسس.
ومحاولة مني لتقريب الشيخ من عموم القراء والمهتمين أقدم هذه القراءة في إنتاجات الشيخ المؤسس، أحاول من خلالها فهم طبيعة المصطلح المعرفي الذي طبعا سيقود لفهم فكر الشيخ المؤسس .
العلم والتعلم
يقول الشيخ ماءالعينين :”عليكم بالعلم فإنه واجب على كل أحد أصبح سالما صحيحا أن يتعلم ما قدر عليه من العلم “1
حث الشيخ ماءالعينين على التعلم ،وركز في بنائه العلمي والمعرفي على إحداث مؤسسات تعليمية فتحت أبوابها أمام ساكنة يغلب عليها الترحال في صحارى خالية يغلب عل أهلها سمة الاقتتال القبلي والمباهاة النسبية .يقول الشيخ ماءالعينين :”مثل التعلم في الصغر النقش في الحجر ومثله في الكبر الكتابة على الماء ،لأن الصغير خال من الشوائب وما صادف قلبا خاليا تمكن منه “2.
على أن التعلم لا ينحصر فقط على الصغار بل إن الشيخ ماءا لعينين يحبذ فتح باب التعلم للجميع حتى من لم يتمكن من التعلم في الصغر بسبب ظروف ما ،فالتعلم لا يرتبط بعمر محدد بل الجهل عار والعار مرفوض عند علماء الصوفية “وهذا بحسب الغالب فكم من رجل لم يتعلم إلا بعد الشيب وصار من الأئمة الذين يقتدي بهم غيرهم ،لأنه لا يوجد زمن قبل الآخر إلا أحسن للشخص التعلم فيه مما قبله “3.
التعلم إذن خصلة وسنة تنافي الجهل والظلم يقول الشيخ في هذا الصدد :”الظلم والجهل من خستهما أنهما تأباهما النفس ولو كانا فيها بخلاف العمل والعلم فإنهما تقبلهما ولم يكونا فيها “4. بل ويدعو بكل وضوح بالتعلم لما فيه من نفي الجهل والظلم ولما للتعلم في نظره من صفة العدالة.
أنشد الشيخ ماءالعينين للشاعر :
تعلم فليس المرء يولد عالما وليس أخو علم كمن هو جاهل
وإن كبير القوم لا علم عنده صغير إذا التفت عليه المحافل
وإن صغير القوم لا علم عنده كبيرا إذا دارت عليه المسائل.
العلم غذاء الروح ،وبه يصل الإنسان الى مبتغاه في حصوله على الرئاسة والمرتبة الدينية العلية. وبالعلم يتعلم الانسان القدرة على الصبر والحلم والعمل بل ويصل إلى أخلاق سامية تجعله قدوة حسنة، يملك شخصية إنسان متعلم وموقر ومحترم يحظى بالاحترام والتقدير ومحطة للإعجاب والانبهار ، ولاستكمال شخصية الفرد المتعلم وضع الشيخ ماءالعينين قواعد وضوابط للتعلم منها : الصبر والانقياد لما هو دون الدخول في غياهب الخلاف والتشرذم وسط ما أسماه الشيخ ب”الأودية المتعددة للعلم “5،اذ ينصح بأخذ العلم من ثمار كل واحد.
أصل الشيخ لمفهوم العلم ووطد دعائمه داخل الجماعة /الأمة إذ العلم أشرف المراتب يتساوى مع مرتبة التقى كأفضل مقام وأعظم مرتبة وبذلك خالف شيخنا تماما ما ذهبت اليه الأوساط الصوفية من اعتبار التقى أفضل يقول الشيخ في هذا الشأن :”إياك والتفضيل بين العلم والتقى ،بأن تقول العلم أفضل من التقى والتقى أفضل من العلم ،فإن ذلك إنما ينشأ من غير فهم المعنى المراد من العلم والعمل وهو عين التقى ،والمراد بالتقوى هو اجتناب ما نهى الله وامتثال ما أمره به وهو المراد من العلم ،فبما أن العلم هو نفس التقوى والتقى هو نفس العلم “6.
ينصح الشيخ ماءالعينين المتعلم بصحبة العلماء ومجالستهم مع اختصار الطرق وإيجاد المنفذ السهل للوصول الى الغاية المطلوبة والمخطط لها ،على أن التدرج ضروري فلا بد للطالب المتعلم أن يأخذ بما تيسر من العلوم ،والعلوم في فكر الشيخ ليست مستعصية “بل ما تيسر لك منها تعلمه ولا تقل لا أتعلم كذا حتى أقرأ كذا وكذا وإياك والتبجح بالعلم “7.
هوامش:
1ـ مسموعات الشيخ محمد الغيث المكنى بالنعمة :كتاب الفواكه ورقة رقم 12
2مسموعات الشيخ النعمة :الفواكه ورقة رقم 12
3ـ مسموعات الشيخ النعمة ورقة رقم 12
4ـ نفس المرجع والورقة.
5ـ 6.7 نفس المرجع الورقة رقم 14
**محمد الاغظف بوية كاتب وباحث في الفكر الفلسفي .