رسالة من أحمد بن الشمس إلى السلطان مولاي عبد العزيز حول تمركز الاسبان بالداخلة

سعت اسبانيا إلى الدخول إلى القارة السمراء عبر بوابات السواحل، من هنا بدأت مساعيها الجادة في احتلال الصحراء تحت غطاء تجاري استكشافي من خلال تأسيس الشركة الاسبانية الافريقيةمنذ بدايات تمددها نحو الجنوب، تطلعت إسبانيا إلى ولوج القارّة السمراء عبر منافذ السواحل، فكان أن شرعت في تنفيذ مخططها لاحتلال الصحراء تحت غطاءٍ تجاري واستكشافي. وقد تجسّد ذلك في تأسيس “الشركة الإسبانية الإفريقية”، التي اتخذت من النشاط التجاري ذريعةً للتوغل وبسط النفوذ في المنطقة.”[1].

كما قد أشرنا في مقال سابق عن معركة الداخلة، وما سبقتها من خطوات  قامت بها الشركة على أرض الواقع، من قبيل إنشاء جسر عائم في خليج وادي الذهب، و بناء أكواخ في منطقتي الداخلة و رأس بوجدور، ثم بعثت بملتمس  لمجلس النواب الأسباني “الكورتس” تدعوه إلى العمل على انتهاج سياسة استعمارية أكثر ديناميكية في أفريقيا، على إثره صدر مرسوم ملكي أسباني يضع كل الشاطئ الواقع بين الرأس الأبيض وبوجدور تحت مسؤولية وزارة ما وراء البحار في مدريد.

في الثالث من شهر نوفمبر سنة 1884، أوفدت الشركة مبعوثها الإسباني Emilio Bonelli ليقيم في شبه جزيرة الداخلة نواة مركز تجاري، ويقيم علاقات تجارية مع قبائل المنطقة، وقد زوّدته الحكومة الإسبانية بسفينة حربية لحماية مركزه. وفي السنة نفسها، أعلنت الحكومة الإسبانية حمايتها لمنطقة وادي الذهب، وراسلت الحكومات الأوروبية لإشعارها بذلك[2].

وقد قوبلت هذه الإجراءات محليًّا بالرفض، عبّرت عنه قبائل المنطقة في معركة الداخلة في مارس سنة 1895، حين هاجمت مجموعة من المقاومين – كان من بينهم بعض تلاميذ الشيخ ماء العينين – المركز الإسباني، فقتلوا عددًا من الجنود وأسروا آخرين، واستولوا على بضائع تجارية.

غير أنّ معركة الداخلة لم تثنِ الإسبان عن معاودة المحاولة، ففي سنة 1898 بعث الشيخ أحمد بن الشمس، بإذن من الشيخ ماء العينين، برسالة إلى السلطان مولاي عبد العزيز يخبره فيها بتحركات الإسبان على شواطئ الداخلة واشتغالهم بالبناء مجددًا. وفي ذلك يقول أحمد بن الشمس:

الحمد لله وحده

والسلامان على من لا نبي بعده

أمير المومنين أعزه الله ونصره وأدام في العالمين تأييده وظفره سيدنا ومولانا عبد العزيز، أيده العزيز ونحى عن ملكه كل هزيز سلام عليكم ورحمة الله تعلى وبركاته أما بعد فليكن في علم سيدنا أن النصارى اسبانيول اشتغلوا في البناء في الداخلة، موضع يكون بينه مع الطرفاية مسيرة سبعة أيام أو ثمانية. ينبغي أن تكونوا من ذالك على بال وهذا ما يجب به الإعلام، وعلى المحبة السلام

في 17 شوال الأبرك عام 1315

عبيد ربه أحمد بن الشمس عن إذن من شيخه الشيخ ماء العينين كان الله له في الدارين.

انتهى نص الرسالة التي نعيد نشرها اليوم في إطار استحضار عمق الروابط التاريخية الراسخة بين قبائل الصحراء المغربية وملوك الدوحة العلوية الشريفة، تلك الروابط التي تجسدت في مواقف الولاء والوفاء عبر مختلف المحطات المفصلية من تاريخنا. إنها وثيقة سياسية شاهدة على التلاحم القوي بين العرش والشعب في مواجهة الأطماع الاستعمارية، حيث نبّه الشيخ إلى تحركات الإسبان في منطقة الداخلة، محددًا موقعها بدقة، ومحذرًا من مخاطرها، في دعوة صريحة للسلطان لاتخاذ ما يلزم من التدابير الدفاعية.
واليوم، ونحن نخلد ذكرى استرجاع وادي الذهب، نؤكد أن الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة لم يكن يومًا وليد الظروف، بل هو امتداد لمسار تاريخي مجيد، صاغته التضحيات، ورعته البيعة الشرعية، وحمته قوة الانتماء، ليظل المغرب في كل أقاليمه، شمالًا وجنوبًا، جسدًا واحدًا لا يتجزأ، تحت راية العرش العلوي المجيد.